كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

الْوَاجِب تَفَرُّقهَا عَلَى أَهْل السُّهْمَان بِحِصَصِهِمْ وَلَوْ كَانَ فِي الْآيَة بَيَان الْمَحَلّ دُون بَيَان الْحِصَص لَمْ يَكُنْ لِلتَّجْزِئَةِ مَعْنًى ، وَيَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ قَوْله أَعْطَيْتُك حَقّك ، فَبَيَّنَ أَنَّ لِأَهْلِ كُلّ جُزْء عَلَى حِدَته حَقًّا . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عِكْرِمَة وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ . وَقَالَ النَّخَعِيُّ : إِذَا كَانَ الْمَال كَثِيرًا يَحْتَمِل الْإِجْزَاء قَسَّمَهُ عَلَى الْأَصْنَاف وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ أَنْ يُوضَع فِي صِنْف وَاحِد . وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : تَفْرِيقه أَوْلَى وَيَجْزِيه أَنْ يَضَعهُ فِي صِنْف وَاحِد . وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِنْ قَسَمَهُ الْإِمَام قَسَمَهُ عَلَى الْأَصْنَاف وَإِنْ تَوَلَّى قَسْمه رَبّ الْمَال فَيَضَعهُ فِي صِنْف وَاحِد رَجَوْت أَنْ يَسْعَهُ قَالَ مَالِك بْن أَنَس : يَجْتَهِد وَيَتَحَرَّى مَوْضِع الْحَاجَة مِنْهُمْ وَيُقَدِّم الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ أَهْل الْخَلَّة وَالْفَاقَة فَإِنْ رَأَى الْخَلَّة فِي الْفُقَرَاء فِي عَام أَكْثَر قَدَّمَهُمْ ، وَإِنْ رَأَى فِي أَبْنَاء السَّبِيل فِي عَام آخَر أَخْرَجُوا لَهُمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : هُوَ مُخَيَّر يَضَعهُ فِي أَيّ الْأَصْنَاف شَاءَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ .
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَوْله إِنَّ اللَّه لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيّ وَلَا غَيْره فِي الصَّدَقَات حَتَّى حَكَمَ فِيهَا ، هُوَ دَلِيل عَلَى أَنَّ بَيَان الشَّرِيعَة قَدْ يَقَع مِنْ وَجْهَيْنِ ، أَحَدهمَا مَا تَوَلَّى اللَّه تَعَالَى بَيَانه فِي الْكِتَاب وَأَحْكَم فَرْضه فِيهِ فَلَيْسَ بِهِ حَاجَة إِلَى زِيَادَة مِنْ بَيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَبَيَان شَهَادَات الْأُصُول ، وَالْوَجْه الْآخَر مَا وَرَدَ ذِكْره فِي الْكِتَاب مُجْمَلًا ، وَوَكَلَ بَيَانه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَهُوَ تَفْسِيره قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ يَتْرُكهُ عَلَى إِجْمَاله ، لِيُبَيِّنَّهُ فُقَهَاء الْأَمَة وَيُدْرِكُوهُ اِسْتِنْبَاطًا وَاعْتِبَارًا بِدَلِيلِ الْأُصُول . وَكُلّ ذَلِكَ بَيَان مَصْدَره عَنْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَعَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ . وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ السِّهَام السِّتَّة ثَابِتَة مُسْتَقِرَّة لِأَهْلِهَا فِي الْأَحْوَال كُلّهَا وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي سَهْم الْمُؤَلَّفَة . فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم مِنْهُمْ ثَابِت يَجِب أَنْ يُعْطُوه هَكَذَا . قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : وَقَالَ @

الصفحة 38