كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

1663 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ )
: أَيْ دَارَ عَلَى التَّرْتِيب الَّذِي اِخْتَارَهُ اللَّه تَعَالَى وَوَضَعَهُ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض ، وَهُوَ أَنْ يَكُون كُلّ عَام اِثْنَيْ عَشَر شَهْرًا وَكُلّ شَهْر مَا بَيْن تِسْعَة وَعِشْرِينَ إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، وَكَانَتْ الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهمْ غَيَّرُوا ذَلِكَ فَجَعَلُوا عَامًا اِثْنَيْ عَشَر شَهْرًا وَعَامًا ثَلَاثَة عَشَر ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْسِئُونَ الْحَجّ فِي كُلّ عَامَيْنِ ثُمَّ شَهْر إِلَى شَهْر آخَر بَعْده ، وَيَجْعَلُونَ الشَّهْر الَّذِي أَنْسَئُوهُ مُلْغًى ، فَتَصِير تِلْكَ السَّنَة ثَلَاثَة عَشَر وَتَتَبَدَّل أَشْهُرهَا فَيُحِلُّونَ الْأَشْهُر الْحُرُم وَيُحَرِّمُونَ غَيْرهَا ، فَأَبْطَلَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ عَلَى مَدَاره الْأَصْلِيّ . فَالسَّنَة الَّتِي حَجَّ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع هِيَ السَّنَة الَّتِي وَصَلَ ذُو الْحِجَّة إِلَى مَوْضِعه ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ يَعْنِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَكُون ذُو الْحِجَّة فِي هَذَا الْوَقْت فَاحْفَظُوهُ ، وَاجْعَلُوا الْحَجّ فِي هَذَا الْوَقْت ، وَلَا تُبَدِّلُوا شَهْرًا بِشَهْرٍ كَعَادَةِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . كَذَا فِي شَرْح الْمِشْكَاة .
وَقَالَ الْإِمَام الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم : مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ قَدْ بَدَّلَتْ أَشْهُر الْحَرَام وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ أَوْقَاتهَا مِنْ أَجْل النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَ اللَّه سُبْحَانه فِي كِتَابه فَقَالَ : { إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر يُضِلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا } الْآيَة وَمَعْنَى@

الصفحة 422