كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

النَّسِيء تَأْخِير رَجَب إِلَى شَعْبَان وَالْمُحَرَّم إِلَى صَفَر ، وَأَصْله مَأْخُوذ مِنْ نَسَأْت الشَّيْء إِذَا أَخَّرْته ، وَمِنْهُ النَّسِيئَة فِي الْبَيْع ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَة مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الدِّين تَعْظِيم هَذِهِ الْأَشْهُر الْحُرُم وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِيهَا عَنْ الْقِتَال وَسَفْك الدِّمَاء وَيَأْمَن بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ تَنْصَرِم هَذِهِ الْأَشْهُر وَيَخْرُجُوا إِلَى أَشْهُر الْحِلّ ، فَكَانَ أَكْثَرهمْ يَتَمَسَّكُونَ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَال فِيهَا ، وَكَانَ قَبَائِل مِنْهُمْ يَسْتَبِيحُونَهَا فَإِذَا قَاتَلُوا فِي شَهْر حَرَام حَرَّمُوا مَكَانه شَهْرًا آخَر مِنْ أَشْهُر الْحِلّ فَيَقُولُونَ نَسَأْنَا الشَّهْر ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى اِخْتَلَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ حِسَابه مِنْ أَيْدِيهمْ ، فَكَانُوا رُبَّمَا يَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر وَيَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِل فِي شَهْر غَيْره إِلَى كَانَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَادَفَ حَجّهمْ شَهْر الْحَجّ الْمَشْرُوع وَهُوَ ذُو الْحِجَّة فَوَقَفَ بِعَرَفَة الْيَوْم التَّاسِع مِنْهُ ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَأَعْلَمهُمْ أَنَّ أَشْهُر الْحَجّ قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَان ، وَعَادَ الْأَمْر إِلَى الْأَصْل الَّذِي وَضَعَ اللَّه حِسَاب الْأَشْهُر عَلَيْهِ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَبَدَّل أَوْ يَتَغَيَّر فِيمَا يُسْتَأْنَف مِنْ الْأَيَّام . فَهَذَا تَفْسِيره وَمَعْنَاهُ اِنْتَهَى كَلَامه
( السَّنَة اِثْنَا عَشَر )
: جُمْلَة مُسْتَأْنَفَة مُبَيِّنَة لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى . قَالَهُ الطِّيبِيُّ
( مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم )
: قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسكُمْ } أَيْ بِهَتْكِ حُرْمَتهَا وَارْتِكَاب حَرَامهَا ، وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ حُرْمَة الْمُقَاتَلَة فِيهَا مَنْسُوخَة ، وَيُؤَيِّد النَّسْخ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَاصَرَ الطَّائِف وَغَزَا هَوَازِن بِحُنَيْن فِي شَوَّال وَذِي الْقَعْدَة
( ثَلَاث )
: أَيْ لَيَالٍ
( مُتَوَالِيَات )
: أَيْ مُتَتَابِعَات اِعْتَبَرَ اِبْتِدَاء الشُّهُور مِنْ اللَّيَالِي فَحُذِفَتْ التَّاء قَالَهُ الطِّيبِيُّ
( وَرَجَب مُضَر )
: إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهْر إِلَى مُضَر لِأَنَّهَا تُشَدِّد فِي تَحْرِيم رَجَب ، وَتُحَافِظ عَلَى ذَلِكَ أَشَدّ مِنْ مُحَافَظَة سَائِر@

الصفحة 423