كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)
النَّحْر وَوَافَقَهُمْ الشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَدَل ثَانِي النَّحْر ثَالِثه وَزَادَ خُطْبَة رَابِعَة وَهِيَ يَوْم النَّحْر قَالَ وَبِالنَّاسِ إِلَيْهَا حَاجَة لِيَعْلَمُوا أَعْمَال ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ الرَّمْي وَالذَّبْح وَالْحَلْق وَالطَّوَاف وَاسْتُدِلَّ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ .
وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ : بِأَنَّ الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة يَوْم النَّحْر لَيْسَتْ مِنْ مُتَعَلِّقَات الْحَجّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر فِيهَا شَيْئًا مِنْ أَعْمَال الْحَجّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ وَصَايَا عَامَّة . قَالَ وَلَمْ يَنْقُل أَحَد أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ فِيهَا شَيْئًا مِمَّا يَتَعَلَّق بِالْحَجِّ يَوْم النَّحْر فَعَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تُقْصَد لِأَجْلِ الْحَجّ .
وَقَالَ اِبْن الْقَصَّار : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل تَبْلِيغ مَا ذَكَرَهُ لِكَثْرَةِ الْجَمْع الَّذِي اِجْتَمَعَ مِنْ أَقَاصِي الدُّنْيَا فَظَنَّ الَّذِي رَآهُ أَنَّهُ خَطَبَ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيّ أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَى تَعْلِيمهمْ أَسْبَاب التَّحَلُّل الْمَذْكُورَة فَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ ، لِأَنَّ الْإِمَام يُمْكِنهُ أَنْ يُعَلِّمهُمْ إِيَّاهَا بِمَكَّة أَوْ يَوْم عَرَفَة اِنْتَهَى .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِي الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة عَلَى تَعْظِيم يَوْم النَّحْر ، وَعَلَى تَعْظِيم عَشْر ذِي الْحِجَّة وَعَلَى تَعْظِيم بَلَد الْحَرَام ، وَقَدْ جَزَمَ الصَّحَابَة بِتَسْمِيَتِهَا خُطْبَة فَلَا تَلْتَفِت إِلَى تَأْوِيل غَيْرهمْ . وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إِمْكَان تَعْلِيم مَا ذَكَرَهُ يَوْم عَرَفَة يُعَكِّر عَلَيْهِ كَوْنه يَرَى مَشْرُوعِيَّة الْخُطْبَة ثَانِي يَوْم النَّحْر ، وَكَانَ يُمْكِن أَنْ يَعْلَمُوا يَوْم التَّرْوِيَة جَمِيع مَا يَأْتِي بَعْده مِنْ أَعْمَال الْحَجّ ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلّ يَوْم أَعْمَال لَيْسَتْ فِي غَيْره شَرَعَ تَجْدِيد التَّعْلِيم بِحَسَبِ تَجَدُّد الْأَسْبَاب .
وَأَمَّا قَوْل الطَّحَاوِيّ : إِنَّهُ لَمْ يُعَلِّمهُمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَاب التَّحَلُّل فَيَرُدّهُ مَا عِنْد الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُب يَوْم النَّحْر ، وَذَكَرَ فِيهِ السُّؤَال عَنْ تَقْدِيم بَعْض الْمَنَاسِك . كَذَا فِي النَّيْل .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ .@
الصفحة 435