كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

بمكة الظهر
رواه مسلم وقالت عائشة أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها الحديث وسيأتي
فاختلف الناس في ذلك فرجحت طائفة منهم ابن حزم وغيره حديث جابر وأنه صلى الظهر بمكة
قالوا وقد وافقته عائشة واختصاصها به وقربها منه واختصاص جابر وحرصه على الاقتداء به أمر لا يرتاب فيه
قالوا ولأنه صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة وحلق رأسه وخطب الناس ونحر مائة بدنة هو وعلي وانتظر حتى سلخت وأخذ من كل بدنة بضعة فطبخت وأكلا من لحمها
قال ابن حزم وكانت حجته في آذار ولا يتسع النهار لفعل هذا جميعه مع الإفاضة إلى البيت والطواف وصلاة الركعتين ثم يرجع إلى منى ووقت الظهر باق
وقالت طائفة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره الذي يرجح أنه إنما صلى الظهر بمنى لوجوه أحدها أنه لو صلى الظهر بمكة لأناب عنه في إمامة الناس بمنى إماما يصلي بهم الظهر ولم ينقل ذلك أحد
ومحتال أن يصلي بالمسلمين الظهر بمنى نائب له ولا ينقله أحد فقد نقل الناس نيابة عبدالرحمن بن عوف لما صلى بهم الفجر في السفر ونيابة الصديق لما خرج صلى الله عليه و سلم يصلح بين بني عمرو بن عوف ونيابته في مرضه ولا يحتاج إلى ذكر من صلى بهم بمكة لأن إمامهم الراتب الذي كان مستمرا على الصلاة قبل ذلك وبعده هو الذي كان يصلي بهم
الثاني أنه لو صلى بهم بمكة لكان أهل مكة مقيمين فكان يتعين عليهم الإتمام ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه و سلم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر كما قاله في غزاة الفتح
الثالث أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف ولا سيما والناس يصلونهما معه ويقتدون به فيهما فظنهما الرائي الظهر
وأما صلاته بمنى والناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلا لا سيما وهو صلى الله عليه و سلم كان إمام الحج الذي لا يصلي لهم سواه فكيف يدعهم بلا إمام يصلون أفرادا ولا يقيم لهم من يصلي بهم هذا في غاية البعد

الصفحة 479