كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ . وَالْكَدْح قَدْ يُطْلَق عَلَى غَيْر الْجَرْح وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { إِنَّك كَادِحٌ إِلَى رَبّك كَدْحًا فَمُلَاقِيه }
( فَمَنْ شَاءَ )
: أَيْ الْإِبْقَاء
( أَبْقَى عَلَى وَجْهه )
: أَيْ مَاء وَجْهه مِنْ الْحَيَاء بِتَرْكِ السُّؤَال وَالتَّعَفُّف
( مَنْ شَاءَ )
: أَيْ عَدَم الْإِبْقَاء
( تَرَكَ )
: أَيْ ذَلِكَ الْإِبْقَاء
( إِلَّا أَنْ يَسْأَل الرَّجُل ذَا سُلْطَان )
: أَيْ حَكَمٌ وَمَلِكٌ بِيَدِهِ بَيْت الْمَال . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز سُؤَال السُّلْطَان مِنْ الزَّكَاة أَوْ الْخُمُس أَوْ بَيْت الْمَال أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَيَخُصّ بِهِ عُمُوم أَدِلَّة تَحْرِيم السُّؤَال
( أَوْ فِي أَمْر لَا يَجِد مِنْهُ بُدًّا )
: أَيْ عِلَاجًا آخَر غَيْر السُّؤَال أَوْ لَا يُوجَد مِنْ السُّؤَال فِرَاقًا وَخَلَاصًا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْمَسْأَلَة عِنْد الضَّرُورَة وَالْحَاجَة الَّتِي لَا بُدّ عِنْدهَا مِنْ السُّؤَال كَمَا فِي الْحَمَالَة وَالْجَائِحَة وَالْفَاقَة بَلْ يَجِب حَال الِاضْطِرَار فِي الْعُرْي وَالْجُوع . فِي سُبُل السَّلَام : وَأَمَّا سُؤَاله مِنْ السُّلْطَان فَإِنَّهُ لَا مَذَمَّة فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْأَل مِمَّا هُوَ حَقّ لَهُ فِي بَيْت الْمَال وَلَا مِنَّة لِلسُّلْطَانِ عَلَى السَّائِل لِأَنَّهُ وَكِيل فَهُوَ كَسُؤَالِ الْإِنْسَان وَكِيله أَنْ يُعْطِيه مِنْ حَقّه الَّذِي لَدَيْهِ . وَظَاهِره أَنَّهُ وَإِنْ سَأَلَ السُّلْطَان تَكَثُّرًا فَإِنَّهُ لَا بَأْس فِيهِ وَلَا إِثْم لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قَيِّمًا لِلْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ . وَقَدْ فَسَّرَ الْأَمْر الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ حَدِيث قَبِيصَة وَفِيهِ لَا يَحِلّ السُّؤَال إِلَّا لِثَلَاثَةٍ : ذِي فَقْر مُدْقِع أَوْ دَم مُوجِع ، أَوْ غُرْم مُفْظِع الْحَدِيث . وَقَوْله أَوْ فِي أَمْر لَا يَجِد مِنْهُ بُدًّا أَيْ لَا يَتِمّ لَهُ حُصُوله مَعَ ضَرُورَة إِلَّا بِالسُّؤَالِ وَيَأْتِي حَدِيث قَبِيصَة قَرِيبًا وَهُوَ مُبَيِّن وَمُفَسِّر لِلْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ .
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَسَن صَحِيح .@

الصفحة 49