كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 5)

قَالَ الطِّيبِيُّ : دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّصَاب لَيْسَ بِشَرْطٍ . قَالَ الْقَارِيّ أَيْ لِلْإِطْلَاقِ ، وَإِلَّا فَلَا دَلَالَة فِيهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا . فَعِنْد الشَّافِعِيّ تَجِبُ إِذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوت عِيَاله لِيَوْمِ الْعِيد وَلَيْلَته قَدْر صَدَقَة الْفِطْر .
أَقُولُ : وَهَذَا تَقْدِير نِصَاب كَمَا لَا يَخْفَى ، إِلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّة قَيّدُوا هَذَا الْإِطْلَاق بِأَحَادِيث وَرَدَتْ تُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْغِنَى وَصَرَفُوهُ إِلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيّ وَالْعُرْفِيّ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا ، مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : لَا صَدَقَة إِلَّا عَنْ ظَهْر غِنًى ، رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ اِنْتَهَى
( عَلَى كُلّ حُرّ أَوْ عَبْد )
: ظَاهِره وُجُوبهَا عَلَى الْعَبْد وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : ظَاهِرُهُ إِلْزَام الْعَبْد نَفْسه إِلَّا أَنَّهُ لَا مِلْك لَهُ فَيَلْزَمُ السَّيِّدَ إِخْرَاجُهُ عَنْهُ . وَقَالَ دَاوُدَ : لَازِم لِلْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّد أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْكَسْب حَتَّى يَكْسَبَ فَيُؤَدِّيَهُ .
( مِنْ الْمُسْلِمِينَ )
: وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُزَكِّي عَنْ عَبِيده الْمُسْلِمِينَ كَانُوا لِلتِّجَارَةِ أَوْ الْخِدْمَة لِأَنَّ عُمُوم اللَّفْظ شَمَلَهُمْ كُلَّهُمْ ، وَفِيهِ وُجُوبهَا عَلَى الصَّغِير مِنْهُمْ وَالْكَبِير وَالْحَاضِر وَالْغَائِب ، وَكَذَلِكَ الْآبِق مِنْهُمْ وَالْمَرْهُون وَالْمَغْصُوب ، وَفِي كُلّ مَنْ أُضِيفَ إِلَى مِلْكِهِ . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَكِّي عَنْ عَبِيدِهِ الْكُفَّار لِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَيَّدَهُ بِشَرْطِ الْإِسْلَام ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَبْدَهُ الذِّمِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ ، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : يُؤَدِّي عَبْده الذِّمِّيّ ، وَهُوَ قَوْل عَطَاء وَالنَّخَعِيِّ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ أَقَلَّ مِنْ صَاع لَا يُجْزِئُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَر التَّمْر وَالشَّعِير وَهُمَا قُوت أَهْل ذَلِكَ الزَّمَان فِي ذَلِكَ الْمَكَان فَقِيَاسُ مَا يَقْتَاتُونَهُ مِنْ الْبُرّ وَغَيْره مِنْ أَقْوَات أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ .
وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق لَا يُجْزِيهِ مِنْ الْبُرّ أَقَلُّ مِنْ صَاع ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَجَابِر بْن زَيْد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة@

الصفحة 7