كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

قالوا وأما قولكم إن نافعا أثبت في ابن عمر وأولى به من أبي الزبير وأخص فروايته أولى أن نأخذ بها فهذا إنما يحتاج إليه عند التعارض فكيف ولا تعارض بينهما فإن رواية أبي الزبير صريحة في أنها لم تحسب عليه وأما نافع فرواياته ليس فيها شيء صريح قط أن النبي حسبها عليه بل مرة قال فمه أي فما يكون وهذا ليس بإخبار عن النبي أنه حسبها ومرة قال أرأيت إن عجز واستحمق وهذا رأي محض ومعناه أنه ركب خطة عجز واستحمق أي ركب أحموقة وجهالة فطلق في زمن لم يؤذن له في الطلاق فيه ومعلوم أنه لو كان عند ابن عمر أنه حسبها عليه لم يحتج أن يقول للسائل أرأيت إن عجز واستحمق فإن هذا ليس بدليل على وقوع الطلاق فإن من عجز واستحمق يرد إلى العلم والسنة التي سنها رسول الله فكيف يظن بابن عمر أنه يكتم نصا عن رسول الله في الاعتداد بتلك الطلقة ثم يحتج بقوله أرأيت إن عجز واستحمق وقد سأله مرة رجل عن شيء فأجابه بالنص فقال السائل أرأيت إن كان كذا وكذا قال اجعل أرأيت باليمن ومرة قال تحسب من طلاقها وهذا قول نافع ليس قول ابن عمر كذلك جاء مصرحا به في هذا الحديث في الصحيحين قال عبد الله لنافع ما فعلت التطليقة قال واحدة اعتد بها وفي بعض ألفاظه فحسبت تطليقة وفي لفظ للبخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر فحسبت علي بتطليقة ولكن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن جبير عنه وخالف نافع وأنس بن سيرين ويونس بن جبير وسائر الرواة عن ابن عمر فلم يذكروا فحسبت علي وانفراد ابن جبير بها كانفراد أبي الزبير
بقوله ولم يرها شيئا فإن تساقطت الروايتان لم يكن في سائر الألفاظ دليل على الوقوع وإن رجح إحداهما على الأخرى فرواية أبي الزبير صريحة في الرفع ورواية سعيد بن جبير غير صريحة في الرفع فإنه لم يذكر فاعل الحساب فلعل أباه رضي الله عنه حسبها عليه بعد موت النبي في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث وحسبه عليهم اجتهادا منه ومصلحة رآها للأمة لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

الصفحة 109