كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

الثاني أن الطلاق حرم في الحيض لتطويل العدة عليها فلو طلقها عقب الرجعة من غير وطء لم تكن قد استفادت بالرجعة فائدة فإن تلك الحيضة التي طلقت فيها لم تكن تحتسب عليها من العدة وإنما تستقبل العدة من الطهر الذي يليها أو من الحيضة الأخرى على الاختلاف في الأقراء فإذا طلقها عقب تلك الحيضة كانت في معنى ممن طلقت ثم راجعها ولم يمسها حتى طلقها فإنها تبنى على عدتها في أحد القولين لأنها لم تنقطع بوطء فالمعنى المقصود إعدامه من تطويل العدة موجود بعينه هنا لم يزل بطلاقها عقب الحيضة فأراد رسول الله قطع حكم الطلاق جملة بالوطء فاعتبر الطهر الذي هو موضع الوطء فإذا وطىء حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر
ومنها أنها ربما كانت حاملا وهو لا يشعر فإن الحامل قد ترى الدم بلا ريب وهل حكمه حكم الحيض أو دم فساد على الخلاف فيه فأراد الشارع أن يستبرئها بعد تلك الحيضة بطهر تام ثم بحيض تام فحينئذ تعلم هل هي حامل أو حائل فإنه ربما يمسكها إذا علم أنها حامل منه وربما تكف هي عن الرغبة في الطلاق إذا علمت أنها حامل وربما يزول الشر الموجب للطلاق بظهور الحمل فأراد الشارع تحيق علمها بذلك نظرا للزوجين ومراعاة لمصلحتهما وحسما لباب الندم وهذا من أحسن محاسن الشريعة
وقيل الحكمة فيه أنه عاقبه بأمره بتأخير الطلاق جزاء له على ما فعله من إيقاعه على الوجه المحرم
ورد بأن ابن عمر لم يكن يعلم التحريم
وأجيب عنه بأن هذا حكم شامل له ولغيره من الأمة وكونه رضي الله عنه لم يكن عالما بالتحريم يفيد نفي الإثم لا عدم ترتب هذه المصلحة على الطلاق المحرم في نفسه
وقيل حكمته أن الطهر الذي بعد تلك الحيضة هو من حريم تلك الحيضة فهما كالقرء الواحد فلو شرع الطلاق فيه لصار كموقع طلقتين في قرء واحد وليس هذا بطلاق السنة
وقيل حكمته أنه نهى عن الطلاق في الطهر ليطول مقامه معها ولعله تدعوه نفسه إلى وطئها وذهاب ما في نفسه من الكراهة لها فيكون ذلك حرصا على

الصفحة 114