كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

الْجَزَاء وَأُقِيمَ عِلَّته مَقَامه ، وَقَوْله تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } أَيْ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فَلَا نُضِيع عَمَلهمْ لِأَنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ، فَكَذَا هَا هُنَا يُقَدَّر الْكَلَام أَيْ مَا مِنْ أَحَد يُسَلِّم عَلَيَّ إِلَّا أَرُدّ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنِّي حَيّ أَقْدِر عَلَى رَدّ السَّلَام وَقَوْله حَتَّى أَرُدّ عَلَيْهِ ، أَيْ فَسَبَب ذَلِكَ حَتَّى أَرُدّ عَلَيْهِ فَحَتَّى هُنَا حَرْف اِبْتِدَاء تُفِيد السَّبَبِيَّة مِثْل مَرِضَ فُلَان حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ ، لَا بِمَعْنَى كَيْ ، وَبِهَذَا اِتَّضَحَ مَعْنَى الْحَدِيث وَلَا يُخَالِف مَا ثَبَتَ حَيَاة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام اِنْتَهَى كَلَامه . وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : وَقَعَ السُّؤَال عَنْ الْجَمْع بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَبَيْن حَدِيث الْأَنْبِيَاء أَحْيَاء وَفِي قُبُورهمْ يُصَلُّونَ وَسَائِر الْأَحَادِيث الدَّالَّة فِي حَيَاة الْأَنْبِيَاء فَإِنَّ ظَاهِر الْأَوَّل مُفَارَقَة الرُّوح فِي بَعْض الْأَوْقَات وَأَلَّفْت فِي الْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّيْته اِنْتِبَاه الْأَذْكِيَاء بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاء .
وَحَاصِل مَا ذَكَرْته فِيهِ خَمْسَة عَشَر وَجْهًا أَقْوَاهَا أَنَّ قَوْله : رَدَّ اللَّه رُوحِي جُمْلَة حَالِيَّة ، وَقَاعِدَة الْعَرَبِيَّة أَنَّ جُمْلَة الْحَال إِذَا صَدَرَتْ بِفِعْلٍ مَاضٍ قُدِّرَتْ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ } أَيْ قَدْ حَصِرَتْ وَكَذَا هَا هُنَا يُقَدَّر قَدْ وَالْجُمْلَة مَاضِيَة سَابِقَة عَلَى السَّلَام الْوَاقِع مِنْ كُلّ أَحَد ، وَحَتَّى لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ بَلْ لِمُجَرَّدِ الْعَطْف بِمَعْنَى الْوَاو فَصَارَ تَقْدِير الْحَدِيث : مَا مِنْ أَحَد يُسَلِّم عَلَيَّ إِلَّا قَدْ رَدَّ اللَّه عَلَيَّ رُوحِي قَبْل ذَلِكَ وَأَرُدّ عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَال مِنْ أَنَّ جُمْلَة رَدَّ اللَّه عَلَيَّ رُوحِي بِمَعْنَى حَال أَوْ اِسْتِقْبَال ، وَظُنَّ أَنَّ حَتَّى تَعْلِيلِيَّة وَلَا يَصِحّ كُلّ ذَلِكَ . وَبِهَذَا الَّذِي قَدَّرْنَاهُ اِرْتَفَعَ الْإِشْكَال مِنْ أَصْله . وَيُؤَيِّدهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّدّ لَوْ أُخِذَ بِمَعْنَى حَال أَوْ اِسْتِقْبَال لَلَزِمَ تَكَرُّره عِنْد تَكَرُّر الْمُسْلِمِينَ ، وَتَكَرُّر الرَّدّ يَسْتَلْزِم تَكَرُّر الْمُفَارَقَة ، وَتَكَرُّر الْمُفَارَقَة يَلْزَم عَلَيْهِ مَحْذُورَات ، مِنْهَا تَأَلُّم الْجَسَد الشَّرِيف بِتَكْرَارِ خُرُوج رُوحه وَعَوْده أَوْ نَوْع مَا مِنْ مُخَالَفَة تَكَرُّر إِنْ لَمْ يَتَأَلَّم وَمِنْهَا مُخَالَفَة سَائِر النَّاس مِنْ الشُّهَدَاء وَغَيْرهمْ إِذَا لَمْ يَثْبُت لِأَحَدِهِمْ أَنَّهُ يَتَكَرَّر @

الصفحة 27