كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

عَنْ الْآخَر . وَمِمَّا يُحَقِّق ذَلِكَ أَنَّ عَوْد الرُّوح لَا يَكُون إِلَّا مَرَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { رَبّنَا أَمَتّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ } اِنْتَهَى كَلَامه .
وَقَالَ الْعَلَّامَة السَّخَاوِيّ فِي كِتَاب الْبَدِيع : رَدّ رُوحه يَلْزَمُهُ تَعَدُّد حَيَاته وَوَفَاته فِي أَقَلّ مِنْ سَاعَة إِذْ الْكَوْن لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسَلِّم عَلَيْهِ ، بَلْ قَدْ يَتَعَدَّد فِي آن وَاحِد كَثِيرًا . وَأَجَابَ الْفَاكِهَانِيّ وَبَعْضهمْ بِأَنَّ الرُّوح هُنَا بِمَعْنَى النُّطْق مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَرُدّ اللَّه عَلَيَّ نُطْقِي . وَقِيلَ إِنَّهُ عَلَى ظَاهِره بِلَا مَشَقَّة . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالرُّوحِ مَلَك وُكِّلَ بِإِبْلَاغِهِ السَّلَام وَفِيهِ نَظَر . اِنْتَهَى .
قَالَ الْخَفَاجِيّ فِي نَسِيم الرِّيَاض شَرْح الشِّفَاء لِلْقَاضِي عِيَاض : وَاسْتِعَارَة رَدّ الرُّوح لِلنُّطْقِ بَعِيدَة وَغَيْر مَعْرُوفَة ، وَكَوْن الْمُرَاد بِالرُّوحِ الْمَلَك تَأْبَاهُ الْإِضَافَة لِضَمِيرٍ إِلَّا أَنَّهُ مَلَك كَانَ مُلَازِمًا لَهُ ، فَاخْتَصَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَب الْأَجْوِبَة . وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْض الْأَحَادِيث . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : بَلَغَنِي أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين يُبَلِّغهُ .
وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا إِطْلَاق الرُّوح عَلَى الْمَلَك فِي الْقُرْآن ، وَإِذَا خُصَّ هَذَا بِالزُّوَّارِ هَانَ أَمْره .
وَجُمْلَة : " رَدَّ اللَّه عَلَيَّ رُوحِي " حَالِيَّة وَلَا يَلْزَمهَا قَدْ إِذَا وَقَعَتْ بَعْد إِلَّا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّسْهِيل ، وَهُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ أَعَمّ الْأَحْوَال . وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيث لَا يَخْلُو مِنْ الْإِشْكَال .
قَالَ الْخَفَاجِيّ : أَقُول الَّذِي يَظْهَر فِي تَفْسِير الْحَدِيث مِنْ غَيْر تَكَلُّف أَنَّ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء أَحْيَاء وَحَيَاة الْأَنْبِيَاء أَقْوَى ، وَإِذَا لَمْ يُسَلِّط عَلَيْهِمْ الْأَرْض فَهُمْ كَالنَّائِمِينَ . وَالنَّائِم لَا يَسْمَع وَلَا يَنْطِق حَتَّى يَنْتَبِه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } الْآيَة فَالْمُرَاد بِالرَّدِّ الْإِرْسَال الَّذِي فِي الْآيَة ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا تَيَقَّظَ وَرَدَّ لَا أَنَّ رُوحه تُقْبَض قَبْض الْمَمَات ثُمَّ يُنْفَخ وَتُعَاد كَمَوْتِ الدُّنْيَا وَحَيَاتهَا لِأَنَّ رُوحه مُجَرَّدَة نُورَانِيَّة @

الصفحة 29