كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

الْوَلَد وَاسْتِغْنَاء الْأَب عَنْهُ مَعَ إِرَادَته إِصْلَاح الْوَلَد . قَالَهُ السِّنْدِيُّ
( اسْتَهِمَا عَلَيْهِ )
: أَيْ عَلَى الِابْن . قَالَ فِي النَّيْل : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقُرْعَة طَرِيق شَرْعِيَّة عِنْد تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوز الرُّجُوع إِلَيْهَا كَمَا يَجُوز الرُّجُوع إِلَى التَّخْيِير وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يُقَدِّم التَّخْيِير عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى عَكْسه لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمَا أَوَّلًا بِالِاسْتِهَامِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَفْعَلَا خَيَّرَ الْوَلَد وَقَدْ قِيلَ إِنَّ التَّخْيِير أَوْلَى لِاتِّفَاقِ أَلْفَاظ الْأَحَادِيث عَلَيْهِ وَعَمَل الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ بِهِ اِنْتَهَى
( فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
: أَيْ لِلْوَلَدِ
( فَخُذْ بِيَدِ أَيّهمَا شِئْت )
: قَالَ الْخَطَّابِيّ فِي الْمَعَالِم : هَذَا فِي الْغُلَام الَّذِي قَدْ عَقَلَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْحَضَانَة ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ خُيِّرَ بَيْن وَالِدَيْهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيّ إِذَا صَارَ اِبْن سَبْع سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ خُيِّرَ ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق . وَقَالَ أَحْمَد : يُخَيَّر إِذَا كَبِرَ ، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ : الْأُمّ أَحَقّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُل وَحْده وَيَلْبَس وَحْده ، وَبِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيض ، ثُمَّ الْأَب أَحَقّ الْوَالِدَيْنِ . وَقَالَ مَالِك : الْأُمّ أَحَقّ بِالْجَوَارِي وَإِنْ حِضْنَ حَتَّى يَنْكِحْنَ ، وَأَمَّا الْغِلْمَان فَهُوَ أَحَقّ بِهِمْ حَتَّى يَحْتَلِمُوا . قَالَ الْخَطَّابِيّ : يُشْبِه أَنْ يَكُون مِنْ تَرْكِ التَّخْيِير وَصَارَ إِلَى أَنَّ الْأَب أَحَقّ بِالْوَلَدِ إِذَا اِسْتَغْنَى عَنْ الْحَضَانَة إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأُمّ إِنَّمَا حَظّهَا الْحَضَانَة لِأَنَّهَا أَرْفَق بِذَلِكَ وَأَحْسَن تَأَتِّيًا لَهُ ، فَإِذَا جَاوَزَ الْوَلَد حَدّ الْحَضَانَة فَإِنَّهُ يَحْتَاج إِلَى الْأَدَب وَالْمَعَاش ، وَالْأَب أَبْصَر بِأَسْبَابِهِمَا وَأَوْفَى لَهُ مِنْ الْأُمّ ، وَلَوْ تَرَكَ الصَّبِيّ وَاخْتِيَاره لَمَالَ إِلَى الْبَطَالَة وَاللَّعِب قَالَ وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيث فَلَا مَذْهَب عَنْهُ اِنْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا @

الصفحة 373