كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

عَنْهُ يُطِيقُونَهُ بِفَتْحِ الطَّاء وَالْهَاء الْمُشَدَّدَتَيْنِ ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز إِذَا كَانَ الصَّوْم يُجْهِدهُمَا وَيَشُقّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّة شَدِيدَة فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا أَوْ يُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْم مِسْكِينًا ، وَهَذَا قَوْل عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة وَغَيْرهمْ اِنْتَهَى . وَمَعْنَى يُطَوَّقُونَهُ أَيْ يُكَلَّفُونَهُ ، وَمَعْنَى يُطِيقُونَهُ أَيْ يَتَكَلَّفُونَهُ كَمَا يَظْهَر مِنْ كَلَام الْعَيْنِيّ . وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَخْبَار عَلَى أَنَّ قَوْله { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة } مَنْسُوخ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اِبْن عَبَّاس فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَة ، لَكِنَّهَا مَخْصُوصَة بِالشَّيْخِ الْكَبِير وَنَحْوه اِنْتَهَى .
( وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِع )
: أَيْ كَانَتْ رُخْصَة لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِع . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَذْهَب اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا أَنَّ الرُّخْصَة مُثْبَتَة لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِع إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادهمَا وَقَدْ نُسِخَتْ فِي الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي يُطِيق الصَّوْم فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِر وَيَفْدِي ، إِلَّا أَنَّ الْحَامِل وَالْمُرْضِع وَإِنْ كَانَتْ الرُّخْصَة قَائِمَة لَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمهُمَا الْقَضَاء مَعَ الْإِطْعَام ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُمَا الْإِطْعَام مَعَ الْقَضَاء لِأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ مِنْ أَجْل غَيْرهمَا شَفَقَة عَلَى الْوَلَد وَإِبْقَاء عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ الشَّيْخ يَجِب عَلَيْهِ الْإِطْعَام ، وَهُوَ إِنَّمَا رَخَّصَ لَهُ فِي الْإِفْطَار مِنْ أَجْل نَفْسه فَقَدْ عُقِلَ أَنَّ مَنْ يُرَخَّص فِيهِ مِنْ غَيْره أَوْلَى بِالْإِطْعَامِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِد . وَأَمَّا الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطِيق الصَّوْم فَإِنَّهُ يُطْعِم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِد . وَأَمَّا الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطِيق الصَّوْم فَإِنَّهُ يُطْعِم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَس وَكَانَ يَفْعَل ذَلِكَ بَعْد مَا أَسَنَّ وَكَبِرَ ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه فِي الْحُبْلَى وَالْمُرْضِع يَقْضِيَانِ وَلَا يُطْعِمَانِ كَالْمَرِيضِ ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَعَطَاء ، وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيّ . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس : الْحُبْلَى هِيَ كَالْمَرِيضِ تَقْضِي وَلَا تُطْعِم وَالْمُرْضِع تَقْضِي وَتُطْعِم . وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ .@

الصفحة 432