كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

مَطْلَع الْهِلَال غَيْم أَوْ قَتَر لَيْلَة الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا : يَجِب صَوْمه عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان ، ثَانِيهَا لَا يَجُوز فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا ، بَلْ قَضَاء وَكَفَّارَة وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِق عَادَة ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة : لَا يَجُوز عَنْ فَرْض رَمَضَان وَيَجُوز عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ، ثَالِثهَا الْمَرْجِع إِلَى رَأْي الْإِمَام فِي الصَّوْم وَالْفِطْر . وَاحْتَجَّ الْأَوَّل بِأَنَّهُ مُوَافِق لِرَأْيِ الصَّحَابِيّ رَاوِي الْحَدِيث . قَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر فَذَكَرَ الْحَدِيث بِلَفْظِ " فَاقْدُرُوا لَهُ " قَالَ نَافِع : فَكَانَ اِبْن عُمَر إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَان تِسْع وَعِشْرُونَ يَبْعَث مَنْ يَنْظُر فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُون مَنْظَره سَحَاب وَلَا قَتَر أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَال أَصْبَحَ صَائِمًا .
وَأَمَّا مَا رَوَى الثَّوْرِيّ فِي جَامِعه عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن حَكِيم سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : لَوْ صُمْت السَّنَة كُلّهَا لَأَفْطَرْت الْيَوْم الَّذِي يُشَكّ فِيهِ ، فَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ فِي الصُّورَة الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْم لَا يُسَمَّى يَوْم شَكّ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ خَصَّ يَوْم الشَّكّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاس عَنْ رُؤْيَة الْهِلَال أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَل الْحَاكِم شَهَادَته ، فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُون مَنْظَره شَيْء فَلَا يُسَمَّى شَكًّا وَاخْتَارَ كَثِير مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابه الثَّانِي اِنْتَهَى .
قُلْت : قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ وَغَيْره " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة ثَلَاثِينَ " وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرهمَا قَالَ عَمَّار : مَنْ صَامَ يَوْم الشَّكّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهَذَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عَدَم جَوَاز الصَّوْم يَوْم الشَّكّ وَعَلَى عَدَم جَوَاز صَوْم رَمَضَان إِذَا حَال دُون مَطْلَع الْهِلَال غَيْم أَوْ قَتَر لَيْلَة الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَد بْن حَنْبَل هُوَ قَوْل ضَعِيف وَقَوْل عَمَّار رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ قَبِيل الْمَرْفُوع لِأَنَّ الصَّحَابِيّ لَا يَقُول ذَلِكَ مِنْ قَبْل رَأْيه وَسَيَجِيءُ بَعْض بَيَانه فِي بَاب كَرَاهِيَة صَوْم يَوْم الشَّكّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
( قَالَ )
: نَافِع
( وَكَانَ اِبْن عُمَر يُفْطِر مَعَ النَّاس وَلَا يَأْخُذ بِهَذَا الْحِسَاب )
: قَالَ@

الصفحة 438