كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 6)

نَعْتَمِد عَلَى رُؤْيَة أَهْل بَلَدنَا وَلَا نَعْتَمِد عَنْ رُؤْيَة غَيْرهمْ وَإِلَى الْمَعْنَى الثَّانِي تَمِيل تَرْجَمَة الْمُصَنِّف ، لَكِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّل مُحْتَمَل فَلَا يَسْتَقِيم الِاسْتِدْلَال إِذْ الِاحْتِمَال يُفْسِد الِاسْتِدْلَال اِنْتَهَى .
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل بَعْد نَقْل الْأَقْوَال : وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُجَّة إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَرْفُوع مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبَّاس لَا فِي اِجْتِهَاده الَّذِي فَهِمَ عَنْهُ النَّاس وَالْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ " هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ " هُوَ قَوْله " فَلَا نَزَال نَصُوم حَتَّى نُكْمِل ثَلَاثِينَ " وَالْأَمْر الْكَائِن مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرهمَا بِلَفْظِ " لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة ثَلَاثِينَ " وَهَذَا لَا يَخْتَصّ بِأَهْلِ نَاحِيَة عَلَى جِهَة الِانْفِرَاد بَلْ هُوَ خِطَاب لِكُلِّ مَنْ يَصْلُح لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَالِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى لُزُوم رُؤْيَة أَهْل بَلَد لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الْبِلَاد أَظْهَر مِنْ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى عَدَم اللُّزُوم لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْل بَلَد فَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَلْزَم غَيْرهمْ مَا لَزِمَهُمْ اِنْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِب أَحَدهَا - لِأَهْلِ كُلّ بَلَد رُؤْيَتهمْ ، وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَا يَشْهَد لَهُ ، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عِكْرِمَة وَالْقَاسِم وَسَالِم وَإِسْحَاق وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَهْل الْعِلْم وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ . ثَانِيهَا - مُقَابِله إِذَا رُئِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْل الْبِلَاد كُلّهَا وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة ، لَكِنْ حَكَى اِبْن عَبْد الْبَرّ الْإِجْمَاع عَلَى خِلَافه وَقَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَة فِيمَا بَعُدَ مِنْ الْبِلَاد كَخُرَاسَان وَالْأَنْدَلُس . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ قَالَ شُيُوخنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَة الْهِلَال ظَاهِرَة قَاطِعَة بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرهمْ بِشَهَادَةِ اِثْنَيْنِ لَزِمَهُمْ الصَّوْم . وَقَالَ اِبْن الْمَاجِشُونِ : لَا يَلْزَمهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا لِأَهْلِ الْبَلَد الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَة إِلَّا أَنْ@

الصفحة 455