كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)

الْفَرْض ، وَلَا خِلَاف أَنَّهَا لَا تُبْطِل الصَّوْم إِلَّا أَنْ يَنْزِل الْمَنِيّ بِالْقُبْلَةِ ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور فِي السُّنَن وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت " وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمَضْمَضَة مُقَدِّمَة الشُّرْب وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِر ، وَكَذَا الْقُبْلَة مُقَدِّمَة لِلْجِمَاعِ فَلَا تُفْطِر . وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره عَنْ اِبْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ مَنْ قَبَّلَ قَضَى يَوْمًا مَكَان يَوْم الْقُبْلَة . وَمَعْنَى الْمُبَاشَرَة هَهُنَا اللَّمْس بِالْيَدِ وَهُوَ مِنْ اِلْتِقَاء الْبَشَرَتَيْنِ .
( وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَك لِإِرْبِهِ )
: هَذَا اللَّفْظَة رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرهمَا رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ إِرْبه بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الرَّاء ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ ، وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالرَّاء مَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَر وَالْحَاجَة ، وَكَذَا بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَق الْمَفْتُوح أَيْضًا عَلَى الْعُضْو .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِم السُّنَن : هَذِهِ اللَّفْظَة تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْح وَالْكَسْر قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد وَهُوَ حَاجَة النَّفْس وَوَطَرهَا ، يُقَال لِفُلَانِ عَلَى فُلَان أَرَب وَإِرْب وَأَرِبَة وَمَأْرَبَة أَيْ الْحَاجَة ، قَالَ : وَالْأَرَب أَيْضًا الْعُضْو . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى كَلَام عَائِشَة أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ الِاحْتِرَاز عَنْ الْقُبْلَة وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسكُمْ أَنَّكُمْ مِثْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِسْتِبَاحَتهَا لِأَنَّهُ يَمْلِك نَفْسه وَيَأْمَن مِنْ الْوُقُوع فِي قُبْلَة يَتَوَلَّد مِنْهَا إِنْزَال أَوْ شَهْوَة أَوْ هَيَجَان نَفْس وَنَحْو ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ ، فَطَرِيقكُمْ الِانْكِفَاف عَنْهَا . وَفِيهِ جَوَاز الْإِخْبَار عَنْ مِثْل هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْن الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَة لِلضَّرُورَةِ ، وَأَمَّا فِي غَيْر حَال الضَّرُورَة فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ جَمْعًا وَإِفْرَادًا ، وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ عَائِشَة .@

الصفحة 10