كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)

: بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَإِنَّمَا كَرِهَ عَمْرو بْن عَبَسَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا هَادَنَهُمْ إِلَى مُدَّة وَهُوَ مُقِيم فِي وَطَنه فَقَدْ صَارَتْ مُدَّة مَسِيره بَعْد اِنْقِضَاء الْمُدَّة الْمَضْرُوبَة كَالْمَشْرُوطِ مَعَ الْمُدَّة فِي أَنْ لَا يَغْزُوهُمْ فِيهَا ، فَإِذَا سَارَ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّام الْهُدْنَة كَانَ إِيقَاعه قَبْل الْوَقْت الَّذِي يَتَوَقَّعُونَهُ قَعَدَ ذَلِكَ عَمْرو غَدْرًا . وَأَمَّا إِنْ نَقَضَ أَهْل الْهُدْنَة بِأَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ خِيَانَة فَلَهُ أَنْ يَسِير إِلَيْهِمْ عَلَى غَفْلَة مِنْهُمْ
( لَا يَشُدّ عُقْدَة وَلَا يَحُلّهَا )
: بِضَمِّ الْحَاء مِنْ الْحَلّ بِمَعْنَى نَقْضِ الْعَهْد وَالشَّدّ ضِدّه وَالظَّاهِر أَنَّ الْمَجْمُوع كِنَايَة عَنْ حِفْظ الْعَهْد وَعَدَم التَّعَرُّض لَهُ وَلَفْظ التِّرْمِذِيّ " فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ " قَالَ فِي الْمِرْقَاة : أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَة عَنْ عَدَم التَّغْيِير وَإِلَّا فَلَا مَانِع مِنْ الزِّيَادَة فِي الْعَهْد وَالتَّأْكِيد ، وَالْمَعْنَى لَا يُغَيِّرَنَّ عَهْدًا وَلَا يَنْقُضَنَّهُ بِوَجْهٍ . وَفِي رِوَايَة " فَيَشُدّهُ وَلَا يَحُلّهُ " قَالَ الطِّيبِيُّ : هَكَذَا بِجُمْلَتِهِ عِبَارَة عَنْ عَدَم التَّغْيِير فِي الْعَهْد فَلَا يَذْهَب عَلَى اِعْتِبَار مَعَانِي مُفْرَدَاتهَا . وَقَالَ اِبْن الْمَلَك : أَيْ لَا يَجُوز نَقْض الْعَهْد وَلَا الزِّيَادَة عَلَى تِلْكَ الْمُدَّة وَاَللَّه أَعْلَم
( أَمَدهَا )
: بِالْأَمَدِ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الْغَايَة
( أَوْ يَنْبِذ )
: بِكَسْرِ الْبَاء أَيْ يَرْمِي عَهْدهمْ
( إِلَيْهِمْ )
: بِأَنْ يُخْبِرهُمْ بِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْد عَلَى تَقْدِير خَوْف الْخِيَانَة مِنْهُمْ
( عَلَى سَوَاء )
: أَيْ لِيَكُونَ خَصْمه مُسَاوِيًا مَعَهُ فِي النَّقْض كَيْ لَا يَكُون ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْم خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } قَالَ الطِّيبِيُّ : قَوْله { عَلَى سَوَاء } : حَال اِنْتَهَى . قَالَ الْمُظْهِر : أَيْ يُعْلِمهُمْ أَنَّهُ يُرِيد أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَأَنَّ الصُّلْح قَدْ اِرْتَفَعَ فَيَكُون الْفَرِيقَانِ فِي عِلْم ذَلِكَ سَوَاء .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .@

الصفحة 440