كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)
هَذَا الرَّجُل قَدْ سَأَلَنَا الصَّدَقَة وَقَدْ عَنَّانَا " فَإِنَّ التَّلَفُّظ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْكَلِمَات لَا يَجُوز قَطْعًا فِي غَيْر هَذِهِ الْحَالَة .
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق " فَقَالَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُول اللَّه أَنَا أَقْتُلهُ ، قَالَ فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ يَا رَسُول اللَّه لَا بُدّ لَنَا أَنْ نَقُول ، قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ " اِنْتَهَى . فَأَبَاحَ لَهُ الْكَذِب لِأَنَّهُ مِنْ خُدَع الْحَرْب . قَالَ الْحَافِظ : وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ سِيَاق اِبْن سَعْد لِلْقِصَّةِ أَنَّهُمْ اِسْتَأْذَنُوهُ فِي أَنْ يَشْكُوَا مِنْهُ وَأَنْ يَعِيبُوا دِينه اِنْتَهَى .
قَالَ اِبْن الْمُنِير : هُنَا لَطِيفَة هِيَ أَنَّ النَّيْل مِنْ عِرْضه كُفْر وَلَا يُبَاح إِلَّا بِإِكْرَاهٍ لِمَنْ قَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَأَيْنَ الْإِكْرَاه هُنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ كَعْبًا كَانَ يُحَرِّض عَلَى قَتْل الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِي قَتْله خَلَاصهمْ فَكَأَنَّهُ أَكْرَهَ النَّاس عَلَى النُّطْق بِهَذَا الْكَلَام بِتَعْرِيضِهِ إِيَّاهُمْ لِلْقَتْلِ فَدَفَعُوا عَنْ أَنْفُسهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَعَ أَنَّ قُلُوبهمْ مُطْمَئِنَّة بِالْإِيمَانِ اِنْتَهَى وَهُوَ حَسَن نَفِيس . وَالْمَقْصُود مِنْ عَقْد هَذَا الْبَاب أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَال وَالْخَدِيعَة وَأَشْبَاههَا تَجُوز لِقَتْلِ الْعَدُوّ الْكَافِر لَكِنْ لَا يَجُوز ذَلِكَ بِالْعَدُوِّ بَعْد الْأَمَان وَالصُّلْح وَالذِّمَّة ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب .
وَبَعْد الْأَمَان يَجُوز ذَلِكَ بِمَنْ نَقَضَ الْعَهْد وَأَعَانَ عَلَى قَتْل الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ بِكَعْبٍ الْيَهُودِيّ ، وَقِصَّته كَمَا عِنْد اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره أَنَّ كَعْبًا كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَرِّض عَلَيْهِ كُفَّار قُرَيْش ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة ، وَكَانَ الْيَهُود وَالْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ الْمُسْلِمِينَ أَشَدّ الْأَذَى فَأَمَرَ اللَّه رَسُوله وَالْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ ، فَلَمَّا أَبَى كَعْب بْن الْأَشْرَف أَنْ يَنْزِع عَنْ أَذَاهُ وَقَدْ كَانَ عَاهَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ لَا يُعِين عَلَيْهِ أَحَدًا فَنَقَضَ كَعْب الْعَهْد وَسَبَّهُ وَسَبَّ أَصْحَابه ، وَكَانَ مِنْ عَدَاوَته أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْبَشِيرَانِ بِقَتْلِ مَنْ قَتَلَ@
الصفحة 454
526