كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)

قالوا وأما قوله ليس من البر الصيام في السفر فهذا خرج على شخص معين رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ظلل عليه وجهده الصوم فقال هذا القول أي ليس البر أن يجهد الإنسان نفسه حتى يبلغ بها هذا المبلغ وقد فسح الله له في الفطر
فالأخذ إنما يكون بعموم اللفظ الذي يدل سياق الكلام على إرادته فليس من البر هذا النوع من الصيام المشار إليه في السفر
وأيضا فقوله ليس من البر أي ليس هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد يتقوى عليه
وقد يكون الفطر في السفر المباح برا لأن الله تعالى أباحه ورخص فيه وهو سبحانه يحب أن يؤخذ برخصه وما يحبه الله فهو بر فلم ينحصر البر في الصيام في السفر
وتكون من على هذا زائدة ويكون كقوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم
الآية وكقولك ما جاءني من أحد وفي هذا نظر
وأحسن منه أن يقال إنها ليست بزائدة بل هي على حالها
والمعنى أن الصوم في السفر ليس من البر الذي تظنونه وتتنافسون عليه
فإنهم ظنوا أن الصوم هو
الذي يحبه الله ولا يحب سواه وأنه وحده البر الذي لا أبر منه فأخبرهم أن الصوم في السفر ليس من هذا النوع الذي تظنونه فإنه قد يكون الفطر أحب إلى الله منه فيكون هو البر
قالوا وأما كون الفطر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم فالمراد به واقعة معينة وهي غزاة الفتح فإنه صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فكان فطره آخر أمريه لا أنه حرم الصوم ونظير هذا قول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مستة النار إنما هو في

الصفحة 47