كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)

اِنْتَهَى
( الْمُشْرِك )
: بِاَللَّهِ وَالْمُرَاد الْكُفَّار ، وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِك لِأَنَّهُ الْأَغْلَب حِينَئِذٍ وَالْمَعْنَى مَنْ اِجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِك وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ وَمَشَى مَعَهُ .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْح الْقَدِير شَرْح الْجَامِع الصَّغِير : وَقِيلَ مَعْنَاهُ نَكَحَ الشَّخْص الْمُشْرِك يَعْنِي إِذَا أَسْلَمَ فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ زَوْجَته الْمُشْرِكَة حَتَّى بَانَتْ مِنْهُ ، فَحُذِّرَ مِنْ وَطْئِهِ إِيَّاهَا . وَيُؤَيِّدهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب مَرْفُوعًا " لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ " اِنْتَهَى . وَقَدْ ضَبَطَ بَعْضهمْ هَذِهِ الْجُمْلَة بِلَفْظِ " مَنْ جَاءَ مَعَ الْمُشْرِك " أَيْ أَتَى مَعَهُ مُنَاصِرًا وَظَهِيرًا لَهُ ، فَجَاءَ فِعْل مَاضٍ ، وَمَعَ الْمُشْرِك جَارّ وَمَجْرُور . قَالَهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ . قَالَ الشَّارِح فِي غَايَة الْمَقْصُود : وَالصَّحِيح الْمُعْتَمَد لَفْظ " مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِك " فَالْمُشْرِك هُوَ مَفْعُول جَامَعَ ، وَأَيْضًا مَعْنَاهُ الْأَوَّل هُوَ الْقَوِيّ
( وَسَكَنَ مَعَهُ )
: أَيْ فِي دِيَار الْكُفْر
( فَإِنَّهُ مِثْله )
: أَيْ مِنْ بَعْض الْوُجُوه لِأَنَّ الْإِقْبَال عَلَى عَدُوّ اللَّه وَمُوَالَاته تُوجِب إِعْرَاضه عَنْ اللَّه ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَان وَنَقَلَهُ إِلَى الْكُفْر . قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : وَهَذَا أَمْر مَعْقُول ، فَإِنَّ مُوَالَاة الْوَلِيّ وَمُوَالَاة الْعَدُوّ مُتَنَافِيَانِ ، وَفِيهِ إِبْرَام وَإِلْزَام بِالْقَلْبِ فِي مُجَانَبَة أَعْدَاء اللَّه وَمُبَاعَدَتهمْ وَالتَّحَرُّز عَنْ مُخَالَطَتهمْ وَمُعَاشَرَتهمْ { لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ } : وَالْمُؤْمِن أَوْلَى بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِن وَإِذَا وَالَى الْكَافِر جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى تَدَاعِي ضَعْف إِيمَانه ، فَزَجَرَ الشَّارِع عَنْ مُخَالَطَته بِهَذَا التَّغْلِيظ الْعَظِيم حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَاد { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } وَلَمْ يَمْنَع مِنْ صِلَة أَرْحَام مَنْ لَهُمْ مِنْ الْكَافِرِينَ وَلَا مِنْ مُخَالَطَتهمْ فِي أَمْر الدُّنْيَا بِغَيْرِ سُكْنَى فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمُعَامَلَة مِنْ نَحْو بَيْع وَشِرَاء وَأَخْذ وَعَطَاء لِيُوَالُوا فِي الدِّين أَهْل الدِّين وَلَا يَضُرّهُمْ أَنْ يُبَارِزُوا مَنْ يُحَارِبهُمْ مِنْ الْكَافِرِينَ . وَفِي الزُّهْد لِأَحْمَدَ عَنْ اِبْن دِينَار ( أَوْحَى اللَّه إِلَى@

الصفحة 478