كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 7)

نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء قُلْ لِقَوْمِك لَا تَدْخُلُوا مَدَاخِل أَعْدَائِي وَلَا تَلْبَسُوا مُلَابِس أَعْدَائِي وَلَا تَرْكَبُوا مَرَاكِب أَعْدَائِي فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي ) : كَذَا فِي فَتْح الْقَدِير لِلْمُنَاوِيِّ . وَقَالَ الْعَلْقَمِيّ فِي الْكَوْكَب الْمُنِير شَرْح الْجَامِع الصَّغِير حَدِيث سَمُرَة إِسْنَاده حَسَن وَفِيهِ وُجُوب الْهِجْرَة عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْدِر عَلَى إِظْهَار الدِّين أَسِيرًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا ، فَإِنَّ الْمُسْلِم مَقْهُور مُهَان بَيْنهمْ ، وَإِنْ اِنْكَفُّوا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن بَعْد ذَلِكَ أَنْ يُؤْذُوهُ أَوْ يَفْتِنُوهُ عَنْ دِينه . وَحَقّ عَلَى الْمُسْلِم أَنْ يَكُون مُسْتَظْهِرًا بِأَهْلِ دِينه وَفِي حَدِيث عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " أَنَا بَرِيء مِنْ كُلّ مُسْلِم مَعَ مُشْرِك " وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيث اِنْتَهَى .
قَالَ الْإِمَام اِبْن تَيْمِيَة : الْمُشَابَهَة وَالْمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة تُوجِب مُشَابَهَة وَمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة ، وَالْمُشَابَهَة فِي الْهُدْي الظَّاهِر تُوجِب مُنَاسَبَة وَائْتِلَافًا وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَان وَالْمَكَان ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس ، فَمُرَافَقَتهمْ وَمُسَاكَنَتهمْ وَلَوْ قَلِيلًا سَبَب لِنَوْعٍ مَا مِنْ اِنْتِسَاب أَخْلَاقهمْ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَة ، وَمَا كَانَ مَظِنَّة لِفَسَادٍ خَفِيّ غَيْر مُنْضَبِط عُلِّقَ الْحُكْم بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيم عَلَيْهِ ، فَمُسَاكَنَتهمْ فِي الظَّاهِر سَبَب وَمَظِنَّة لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاق وَالْأَفْعَال الْمَذْمُومَة بَلْ فِي نَفْس الِاعْتِقَادَات ، فَيَصِير مُسَاكِن الْكَافِر مِثْله وَأَيْضًا الْمُشَارَكَة فِي الظَّاهِر تُورِث نَوْع مَوَدَّة وَمَحَبَّة وَمُوَالَاة فِي الْبَاطِن ، كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّة فِي الْبَاطِن تُورِث الْمُشَابَهَة فِي الظَّاهِر ، وَهَذَا مِمَّا يَشْهَد بِهِ الْحَسَن ، فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَد وَاجْتَمَعَا فِي دَار غُرْبَة كَانَ بَيْنهمَا مِنْ الْمَوَدَّة وَالِائْتِلَاف أَمْر عَظِيم بِمُوجِبِ الطَّبْع . وَإِذَا كَانَتْ الْمُشَابَهَة فِي أُمُور دُنْيَوِيَّة تُورِث الْمَحَبَّة وَالْمُوَالَاة فَكَيْف بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة ، فَالْمُوَالَاة لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَان { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } اِنْتَهَى كَلَامه .
وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم فِي كِتَاب الْهَدْي النَّبَوِيّ : وَمَنَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِقَامَة الْمُسْلِم بَيْن الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَة مِنْ بَيْنهمْ وَقَالَ " أَنَا بَرِيء@

الصفحة 479