كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

وَالسِّيَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَخْلَفَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم ثَلَاث عَشْرَة مَرَّة فِي غَزَوَاته مِنْهَا غَزْوَة الْأَبْوَاء وَبُوَاط ، وَذُو الْعَسِيرَة وَخُرُوجه إِلَى جُهَيْنَة فِي طَلَب كُرْز بْن جَابِر ، وَغَزْوَة السَّوِيق ، وَغَطَفَان وَأُحُد ، وَحَمْرَاء الْأَسَد ، وَنَجْرَان ، وَذَات الرِّقَاع ، وَاسْتَخْلَفَهُ حِين سَارَ إِلَى بَدْر ، ثُمَّ رَدَّ إِلَيْهَا أَبَا لُبَابَة ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهَا ، وَاسْتَخْلَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر أَيْضًا فِي مَسِيرَته إِلَى حَجَّة الْوَدَاع .
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَأَمَّا قَوْل قَتَادَةَ عَنْ أَنَس : " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَعْمَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم عَلَى الْمَدِينَة مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَبْلُغهُ مَا بَلَغَ غَيْره . قَالَهُ الْحَافِظ اِبْن الْأَثِير وَابْن حَجَر .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَفِي إِسْنَاده عِمْرَان بْن دَاوُدَ الْقَطَّان وَقَدْ ضَعَّفَهُ اِبْن مَعِين وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ عُثْمَان بْن مُسْلِم وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيّ ، وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّمَا وَلَّاهُ لِلصَّلَاةِ بِالْمَدِينَةِ دُون الْقَضَاء ، فَإِنَّ الضَّرِير لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَقْضِي ، لِأَنَّهُ لَا يُدْرِك الْأَشْخَاص ، وَلَا يُثْبِت الْأَعْيَان ، وَلَا يَدْرِي لِمَنْ يَحْكُم ، وَهُوَ مُقَلَّد فِي كُلّ مَا يَلِيه مِنْ هَذِهِ الْأُمُور ، وَالْحُكْم بِالتَّقْلِيدِ غَيْر جَائِز . وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَلَّاهُ الْإِمَامَة بِالْمَدِينَةِ إِكْرَامًا لَهُ وَأَخْذًا بِالْأَدَبِ فِيمَا عَاتَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ فِي أَمْره فِي قَوْله : { عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى } وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِ . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ إِمَامَة الضَّرِير غَيْر مَكْرُوهَة اِنْتَهَى كَلَام الْمُنْذِرِيِّ .
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
وَهُوَ مَنْ يُؤَازِر الْأَمِير فَيَحْمِل عَنْهُ مَا حَمَلَهُ مِنْ الْأَثْقَال ، وَمَنْ يَلْتَجِئ الْأَمِير إِلَى رَأْيه وَتَدْبِيره ، فَهُوَ مَلْجَأ لَهُ وَمَفْزَع . قَالَهُ فِي الْمَجْمَع .@

الصفحة 150