كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)
فَيَعْقِر هَذَا إِبِلًا وَهَذَا إِبِلًا حَتَّى يُعَجِّز أَحَدهمَا الْآخَر وَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ رِيَاء وَسُمْعَة وَتَفَاخُرًا وَلَا يَقْصِدُونَ وَجْه اللَّه . فَشُبِّهَ بِمَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه اِنْتَهَى .
وَمِثْله فِي مَعَالِم السُّنَن لِلْخَطَّابِيّ . وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي مَعْنَاهُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَة النَّاس مِنْ ذَبْح الْحَيَوَان بِحَضْرَةِ الْمُلُوك وَالرُّؤَسَاء عِنْد قُدُومهمْ الْبُلْدَان ، وَأَوَان حُدُوث نِعْمَة تَتَجَدَّد لَهُمْ فِي نَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور اِنْتَهَى . وَقَالَ الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان : رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَن أَنَّ النَّبِيّ نَهَى عَنْ مُعَاقَرَة الْأَعْرَاب وَهِيَ مُفَاخَرَتهمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَفَاخَرُونَ بِأَنْ يَعْقِر كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَدَدًا مِنْ إِبِله ، فَأَيّهمَا كَانَ عَقْره أَكْثَر كَانَ غَالِبًا فَكَرِهَ النَّبِيّ لَحْمهَا لِئَلَّا يَكُون مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه اِنْتَهَى . وَقَالَ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة فِي الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم : وَأَمَّا الْقُرْبَانِ فَيُذْبَح لِلَّهِ سُبْحَانه ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ فِي قُرْبَانه " اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك بَعْد قَوْله بِسْمِ اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر " اِتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } وَالْكَافِرُونَ يَصْنَعُونَ بِآلِهَتِهِمْ كَذَلِكَ ، فَتَارَة يُسَمُّونَ آلِهَتهمْ عَلَى الذَّبَائِح ، وَتَارَة يَذْبَحُونَهَا قُرْبَانًا إِلَيْهِمْ ، وَتَارَة يَجْمَعُونَ بَيْنهمَا ، وَكُلّ ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم يَدْخُل فِيمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ ، فَإِنَّ مَنْ سَمَّى غَيْر اللَّه فَقَدْ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه فَقَوْله بِاسْمِ كَذَا اِسْتِعَانَة بِهِ ، وَقَوْله لِكَذَا عِبَادَة لَهُ ، وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّه بَيْنهمَا فِي قَوْله { إِيَّاكَ نَعْبُد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين } وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانه حَرَّمَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب ، وَهِيَ كُلّ مَا يُنْصَب لِيُعْبَد مِنْ دُون اللَّه . ثُمَّ قَالَ اِبْن تَيْمِيَة رَحِمَهُ اللَّه بَعْد ذَلِكَ : وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " نَهَى رَسُول اللَّه عَنْ مُعَاقَرَة الْأَعْرَاب " وَرَوَى أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة فِي تَفْسِيره حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ أَصْحَابه عَنْ عَوْف@
الصفحة 16
531