كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

تَجَاحَفَتْ الْقَوْم فِي الْقِتَال إِذَا تَنَاوَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا السُّيُوف ، يُرِيد إِذَا رَأَيْت قُرَيْشًا تَخَاصَمُوا عَلَى الْمُلْك وَتَقَاتَلُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُول كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَنَا أَحَقّ بِالْمُلْكِ أَوْ بِالْخِلَافَةِ مِنْك وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ قَالَهُ الْعَلْقَمِيّ
( وَكَانَ )
: الْعَطَاء
( عَنْ دِين أَحَدكُمْ )
: أَيْ الْعَطَاء الَّذِي يُعْطِيه الْمَلِك عِوَضًا عَنْ دِينكُمْ بِأَنْ يُعْطِيه الْعَطَاء وَيَحْمِلهُ عَلَى فِعْل مَا لَا يَحِلّ فِعْله فِي الشَّرْع مِنْ قِتَال مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ قِتَاله ، وَفِعْل مَا لَا يَجُوز فِعْله فِي دِينه
( فَدَعُوهُ )
: أَيْ اُتْرُكُوا أَخْذه لِحَمْلِهِ عَلَى اِقْتِحَام الْحَرَام فَأَفَادَ أَنَّ عَطَاء السُّلْطَان إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَحِلّ أَخْذه وَعَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ لَا يَزَال الْعَطَاء بِأَهْلِ الْعَطَاء حَتَّى يُدْخِلهُمْ النَّار أَيْ يَحْمِلهُمْ إِعْطَاء الْمَلِك وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ عَلَى اِرْتِكَاب الْحَرَام لَا أَنَّ الْعَطَاء فِي نَفْسه حَرَام قَالَ الْغَزَالِيّ : وَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْعَطَاء مِنْ مَال السُّلْطَان فَقَالَ كُلّ مَا لَا يَتَيَقَّن أَنَّهُ حَرَام فَلَهُ أَنْ يَأْخُذهُ . وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّهُ حَلَال . وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ الْأَخْذ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِيهِ حَرَام وَحَلَال إِذَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ عَمَل الْمَأْخُوذ حَرَام بِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الظَّلَمَة وَأَخَذُوا مِنْ أَمْوَالهمْ ، وَأَخَذَ كَثِير مِنْ التَّابِعِينَ ، وَأَخَذَ الشَّافِعِيّ مِنْ هَارُون الرَّشِيد أَلْف دِينَار دَفْعَة وَاحِدَة . قَالَ وَأَخَذَ مَالِك مِنْ الْخُلَفَاء أَمْوَالًا جَمَّة وَإِنَّمَا تَرْك الْعَطَاء مِنْهُمْ تَوَرُّعًا خَوْفًا عَلَى دِينه . قَالَ وَأَغْلَب أَمْوَال السَّلَاطِين حَرَام فِي هَذِهِ الْأَعْصَار وَالْحَلَال فِي أَيْدِيهمْ مَعْدُوم ، أَوْ عَزِيز اِنْتَهَى . قَالَ اِبْن رَسْلَان بَعْد أَنْ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ : وَهَذَا فِي زَمَانه رَحِمَهُ اللَّه فَكَيْف بِمَالِهِمْ الْيَوْم وَكَانَ السَّلَاطِين فِي الْعَصْر الْأَوَّل لِقُرْبِ عَهْدهمْ بِزَمَانِ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ يَسْتَمِيلُونَ قُلُوب الْعُلَمَاء حَرِيصِينَ عَلَى قَبُولهمْ عَطَايَاهُمْ ، وَيَبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْر سُؤَال وَلَا إِقْبَال : بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ الْمِنَّة لَهُمْ وَيَفْرَحُونَ بِهِ ، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ وَيُفَرِّقُونَهُ وَلَا يُطِيعُونَهُمْ فِي أَغْرَاضهمْ اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : @

الصفحة 174