كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

{ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } وَقَدْ ذَكَرَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْله " لِلَّهِ " اِفْتِتَاح كَلَام عَلَى سَبِيل التَّبَرُّك ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِم فِيهِ فَيَقْسِمهُ كَيْف شَاءَ ، وَلَيْسَ الْمُرَاد مِنْهُ أَنَّ سَهْمًا مِنْهُ لِلَّهِ مُفْرَدًا ، وَهَذَا قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَةَ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ قَالُوا سَهْم اللَّه وَسَهْم رَسُوله وَاحِد . وَالْغَنِيمَة تُقْسَم خَمْسَة أَخْمَاس أَرْبَعَة أَخْمَاسهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا وَالْخُمُس الْبَاقِي لِخَمْسَةِ أَصْنَاف كَمَا ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : يُقْسَم خُمُس الْخُمُس عَلَى سِتَّة أَسْهُم سَهْم لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ ، أَيْ أَنَّ خُمُس الْغَنِيمَة يُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَسْهُم سَهْم لِرَسُولِ اللَّه كَانَ لَهُ فِي حَيَاته وَالْيَوْم هُوَ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِيهِ قُوَّة الْإِسْلَام ، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَرَوَى الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْر وَعُمَر يَجْعَلَانِ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح . وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ لِلْخَلِيفَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد مَوْته مَرْدُود فِي الْخُمُس فَيُقْسَم الْخُمُس عَلَى الْأَرْبَعَة الْأَصْنَاف الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَة وَهُمْ ذَوُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل . وَقَوْله تَعَالَى : { وَلِذِي الْقُرْبَى } يَعْنِي أَنَّ سَهْمًا مِنْ خُمُس الْخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ أَقَارِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْم هُمْ جَمِيع قُرَيْش ، وَقَالَ قَوْم هُمْ الَّذِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة . وَقَالَ مُجَاهِد وَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن : هُمْ بَنُو هَاشِم . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : هُمْ بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب وَلَيْسَ لِبَنِي عَبْد شَمْس وَلَا لِبَنِي نَوْفَل مِنْهُ شَيْء وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جُبَيْر بْن مُطْعِم وَعُثْمَان بْن عَفَّانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى هَلْ هُوَ ثَابِت الْيَوْم أَمْ لَا ، فَذَهَبَ أَكْثَرهمْ إِلَى أَنَّهُ ثَابِت فَيُعْطَى فُقَرَاؤُهُمْ وَأَغْنِيَاؤُهُمْ مِنْ خُمُس الْخُمُس لِلذَّكَرِ مِثْل @

الصفحة 225