كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

قَدْر هَذِهِ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود عَلَيْكُمْ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْره وَقَالَ قَوْم هُوَ مِنْ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس بَعْد إِفْرَاز الْخُمُس كَسِهَامِ الْغُزَاة ، وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق . وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ النَّفْل مِنْ رَأْس الْغَنِيمَة قَبْل التَّخْمِيس كَالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ . وَأَمَّا الْفَيْء وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَال الْكُفَّار بِغَيْرِ إِيجَاف خَيْل وَلَا رِكَاب بِأَنْ صَالَحَهُمْ عَلَى مَال يُؤَدُّونَهُ ، وَكَذَلِكَ الْجِزْيَة وَمَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالهمْ إِذَا دَخَلُوا دَار الْإِسْلَام لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِمَوْتِ أَحَد مِنْهُمْ فِي دَار الْإِسْلَام وَلَا وَارِث لَهُ ، فَهَذَا كُلّه فَيْء . وَمَال الْفَيْء كَانَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُدَّة حَيَاته . وَقَالَ عُمَر إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ خَصَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْفَيْء بِشَيْءٍ لَمْ يَخُصّ بِهِ أَحَدًا غَيْره ثُمَّ قَرَأَ عُمَر { وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ } الْآيَة ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَة وَكَانَ يُنْفِق عَلَى أَهْله وَعِيَاله نَفَقَة سَنَتهمْ مِنْ هَذَا الْمَال ثُمَّ مَا بَقِيَ يَجْعَلهُ مَجْعَل مَال اللَّه تَعَالَى فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح .
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَصْرِف الْفَيْء بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْم هُوَ لِلْأَئِمَّةِ بَعْده ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ لِلْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ أُثْبِتَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي دِيوَان الْجِهَاد لِأَنَّهُمْ هُمْ الْقَائِمُونَ مَقَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِرْهَاب الْعَدُوّ وَالثَّانِي أَنَّهُ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ ، وَيُبْدَأ بِالْمُقَاتِلَةِ فَيُعْطَوْنَ مِنْهُ كِفَايَتهمْ ثُمَّ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمّ مِنْ الْمَصَالِح .
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي تَخْمِيس الْفَيْء ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّهُ يُخَمَّس وَخُمُسه لِأَهْلِ الْخُمُس مِنْ الْغَنِيمَة عَلَى خَمْسَة أَسْهُم وَأَرْبَعَة أَخْمَاسه لِلْمُقَاتِلَةِ وَلِلْمَصَالِحِ . وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُخَمَّس بَلْ يُصْرَف جَمِيعه مَصْرِفًا وَاحِدًا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقّ وَاَللَّه أَعْلَم .@

الصفحة 227