كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

رَأْس سِتَّة أَشْهُر مِنْ وَقْعَة بَدْر ، وَكَانَتْ مَنَازِلهمْ وَنَخْلهمْ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَة ، فَحَاصَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلَاء وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتْ الْإِبِل مِنْ الْأَمْتِعَة وَالْأَمْوَال إِلَّا الْحَلْقَة ، فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ { سَبَّحَ لِلَّهِ } : إِلَى قَوْله { لِأَوَّلِ الْحَشْر } : وَقَاتَلَهُمْ حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلَاء فَأَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّام ، فَكَانَ جَلَاؤُهُمْ أَوَّل حَشْر حُشِرَ فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام ، وَهَذَا مُرْسَل ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْحَاكِم عَنْ عَائِشَة وَصَحَّحَهُ ، اِنْتَهَى . وَقَوْله تَعَالَى { وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } : أَيْ عَاوَنُوا الْأَحْزَاب وَهُمْ قُرَيْظَة { مِنْ صَيَاصِيهمْ } : أَيْ حُصُونهمْ ، نَزَلَتْ فِي شَأْن بَنِي قُرَيْظَة فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْأَحْزَاب وَهِيَ بَعْد بَنِي النَّضِير بِلَا رَيْب وَأَمَّا بَنُو النَّضِير فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْأَحْزَاب ذِكْر ، بَلْ كَانَ مِنْ أَعْظَم الْأَسْبَاب فِي جَمْع الْأَحْزَاب مَا وَقَعَ مِنْ إِجْلَائِهِمْ ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ رُءُوسهمْ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَهُوَ الَّذِي حَسَّنَ لِبَنِي قُرَيْظَة الْغَدْر وَمُوَافَقَة الْأَحْزَاب حَتَّى كَانَ مِنْ هَلَاكهمْ مَا كَانَ . وَعِنْد اِبْن سَعْد أَنَّهُمْ حِين هَمُّوا بِغَدْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَهُ اللَّه بِذَلِكَ ، وَنَهَضَ سَرِيعًا إِلَى الْمَدِينَة بَعَثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة الْأَنْصَارِيّ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي الْمَدِينَة لِأَنَّ مَسَاكِنهمْ مِنْ أَعْمَالهَا فَكَأَنَّهَا مِنْهَا فَلَا تُسَاكِنُونِي بِهَا ، وَقَدْ هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْر وَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْرًا ، فَمَنْ رُئِيَ مِنْكُمْ بَعْد ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقه فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ ، وَاكْتَرَوْا مِنْ أُنَاس مِنْ أَشْجَع إِبِلًا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيٍّ لَا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ وَأَقِيمُوا فِي حُصُونكُمْ فَإِنَّ مَعِي أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِي مِنْ الْعَرَب يَدْخُلُونَ حُصُونكُمْ ، وَتَمُدّكُمْ قُرَيْظَة وَحُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَان ، فَطَمِعَ حُيَيّ فِيمَا قَالَهُ اِبْن أُبَيٍّ فَأَرْسَلَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا لَنْ نَخْرُج مِنْ دِيَارنَا فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَك ، فَأَظْهَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْبِير وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ بِتَكْبِيرِهِ وَسَارَ إِلَيْهِمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابه فَحَاصَرَهُمْ @

الصفحة 240