كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

قَالَ فِي فَتْح الْوَدُود : إِذَا مَاتَ زَوْج وَاحِدَة فَالدَّار يَأْخُذهَا الْوَرَثَة وَتَخْرُج الْمَرْأَة وَهِيَ غَرِيبَة فِي دَار الْغُرْبَة فَلَا تَجِد مَكَانًا آخَر فَتَتْعَبَ لِذَلِكَ اِنْتَهَى
( فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُوَرَّث )
: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول بِشِدَّةِ الرَّاء مِنْ بَاب التَّفْعِيل
( دُور الْمُهَاجِرِينَ )
جَمْع دَار مَفْعُول تُوَرَّث
( النِّسَاء )
: نَائِب الْفَاعِل أَيْ نِسَاء الْمُهَاجِرِينَ فَلَا تَخْرُج نِسَاء الْمُهَاجِرِينَ مِنْ دَار أَزْوَاجهمْ بَعْد مَوْتهمْ بَلْ تَسْكُن فِيهَا عَلَى سَبِيل التَّوْرِيث وَالتَّمْلِيك .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقْطَع الْمُهَاجِرِينَ الدُّور بِالْمَدِينَةِ فَتَأَوَّلُوهَا عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَقْطَعهُمْ الْعَرْصَة لِيَبْنُوا فِيهَا الدُّور ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْه يَصِحّ مِلْكُهمْ فِي الْبِنَاء الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِي الْعَرْصَة .
وَالْوَجْه الْآخَر : أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقَطَعُوا الدُّور عَارِيَة ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاق الْمَرُوزِي ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْه لَا يَصِحّ الْمِلْك فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمِيرَاث لَا يَجْرِي إِلَّا فِي مَا كَانَ الْمَوْرُوث مَالِكًا لَهُ ، وَقَدْ وَضَعَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَاب إِحْيَاء الْمَوَات .
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا إِنَّمَا أَحْيَوْا تِلْكَ الْبِقَاع بِالْبِنَاءِ فِيهَا إِذْ كَانَتْ غَيْر مَمْلُوكَة لِأَحَدٍ قَبْل وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَدْ يَكُون نَوْع مِنْ الْإِقْطَاع إِرْفَاقًا مِنْ غَيْر تَمْلِيك ، وَذَلِكَ كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاق وَالْمَنَازِل فِي الْأَسْفَار فَإِنَّمَا يُرْتَفَق بِهَا وَلَا تُمْلَك ، فَأَمَّا تَوْرِيثه الدُّور لِنِسَاءِ الْمُهَاجِرِينَ خُصُوصًا فَيُشْبِه أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَة بَيْن الْوَرَثَة ، وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ بِالدُّورِ لِأَنَّهُنَّ بِالْمَدِينَةِ غَرَائِب لَا عَشِيرَة لَهُنَّ بِهَا ، فَحَازَ لَهُنَّ الدُّور لِمَا رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ .@

الصفحة 334