كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

فَهُوَ أُجْرَة الْأَرْض سَوَاء مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ أَوْ أَقَامَ عَلَى كُفْره فَعَلَيْهِ إِذَا مَا اِشْتُرِطَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِينَ فَبَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكهُ ، وَهَذَا سَبِيل أَرْض السَّوَاد عِنْده اِنْتَهَى
( فَقَدْ اِسْتَقَالَ هِجْرَته )
: أَيْ أَقْرَبَ ذَلِكَ مِنْ اِسْتِقَالَة الْهِجْرَة ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِم إِذَا أَخْذ الْأَرْض الْخَرَاجِيَّة مِنْ الذِّمِّيّ بَيْعًا أَوْ إِجَارَة مَثَلًا يَلْزَمهُ خَرَاج تِلْكَ الْأَرْض وَيَكُون قَائِمًا مَقَام الذِّمِّيّ فِي الْأَدَاء وَرَاجِعًا إِلَى تِلْكَ الْأَرْض بَعْد أَنْ كَانَ تَارِكًا لَهَا فَيَكُون كَالْمُسْتَقِلِّ بِهِجْرَتِهِ لِأَنَّ الْهِجْرَة عِبَارَة عَنْ تَرْك أَرَاضِي الْكُفْر
( صَغَار كَافِر )
: بِفَتْحِ الصَّاد الْمُهْمَلَة أَيْ ذُلّه وَهَوَانه
( ظَهْره )
: الضَّمِير لِمَنْ . وَالْمَعْنَى : أَيْ قَرُبَ مِنْ أَنْ يُوَلِّي ظَهْره إِلَى الْإِسْلَام وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَافِر ذَلِيل بِأَدَاءِ الْخَرَاج وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْلِم تِلْكَ الْأَرْض مِنْهُ رَجَعَ الذُّلّ إِلَيْهِ فَيَكُون كَمَا لَوْ نَزَعَ الذُّلّ مِنْ عُنُقه ثُمَّ جَعَلَهُ فِي عُنُق نَفْسه ، وَالْإِسْلَام عَزِيز وَالْكُفْر ذَلِيل ، وَإِذَا اِخْتَارَ الْمُسْلِم الذُّلّ فَقَدْ وَلَّى ظَهْره الْإِسْلَام .
قَالَ الشَّيْخ الْعَلَّامَة الْأَرْدَبِيلِيّ فِي الْأَزْهَار شَرْح الْمَصَابِيح : الْحَدِيث فِيهِ نَهْي عَنْ شِرَى أَرْض الْخَرَاج مِنْ الذِّمِّيّ وَغَيْره لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَذَلَّة وَالْمُؤْمِن لَا يُذِلّ نَفْسه وَكَذَا الِاسْتِيجَار .
وَقَالَ الْعُلَمَاء : وَالْأَرْض الْخَرَاجِيَّة أَنْوَاع : أَحَدهَا : أَنْ يَفْتَح الْإِمَام بَلْدَة قَهْرًا وَيَقْسِمهَا بَيْن الْغَانِمِينَ ثُمَّ يُعَوِّضهُمْ ثَمَنهَا وَيَقِفهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَضْرِب عَلَيْهَا خَرَاجًا كَمَا فَعَلَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاق .
وَالثَّانِي : أَنْ يَفْتَح الْإِمَام بَلْدَة صُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُون الْأَرَاضِي لَنَا وَيَسْكُنهَا الْكُفَّار بِالْخَرَاجِ ، فَالْأَرْض فَيْء وَالْخَرَاج أُجْرَة لَا يَسْقُط بِإِسْلَامِهِمْ .@

الصفحة 337