كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمَعْدِن جُبَار وَفِي الرِّكَاز الْخُمُس " عَطَفَ الرِّكَاز عَلَى الْمَعْدِن وَفَرَّقَ بَيْنهمَا فِي الْحُكْمِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْدِن لَيْسَ بِرِكَازٍ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِن رِكَازًا عِنْده لَقَالَ الْمَعْدِن جُبَار وَفِيهِ الْخُمُس ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْره لِأَنَّ الْعَطْف يَدُلّ عَلَى الْمُغَايَرَة . قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر ، وَالْحُجَّة لِلْجُمْهُورِ التَّفْرِقَة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْمَعْدِن وَالرِّكَاز بِوَاوِ الْعَطْف فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْره .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الرِّكَاز عَلَى وَجْهَيْنِ ، فَالْمَال الَّذِي يُوجَد مَدْفُونًا لَا يُعْلَم لَهُ مَالِكٌ رِكَاز لِأَنَّ صَاحِبه قَدْ كَانَ رَكَزَهُ فِي الْأَرْض أَيْ أَثْبَتَهُ فِيهَا ، وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الرِّكَاز عُرُوق الذَّهَب وَالْفِضَّة فَتُسْتَخْرَج بِالْعِلَاجِ ، رَكَزَهَا اللَّه فِي الْأَرْض رَكْزًا وَالْعَرَب تَقُول أَرَكَزَ الْمَعْدِن إِذَا أَنَال الرِّكَاز ، وَالْحَدِيث إِنَّمَا جَاءَ فِي النَّوْع الْأَوَّل مِنْهُمَا وَهُوَ الْكَنْز الْجَاهِلِيّ عَلَى مَا فَسَّرَ الْحَسَن ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُس لِكَثْرَةِ نَفْعه وَسُهُولَة نَيْله . وَالْأَصْل أَنَّ مَا خَفَّتْ مُؤْنَته كَثُرَ مِقْدَار الْوَاجِب فِيهِ ، وَمَا كَثُرَتْ مُؤْنَته قَلَّ مِقْدَار الْوَاجِب فِيهِ ، كَالْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ وَنِصْف الْعُشْر فِيمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِيبِ اِنْتَهَى .
وَقَدْ اِعْتَرَضَ الْإِمَام الْحُجَّة الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَلَى الْإِمَام الْقُدْوَة أَبِي حَنِيفَة رَحِمهمَا اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ كَيْف تَرَكَ الْمَنْطُوق مِنْ الشَّارِع وَأَدْخَلَ الْمَعْدِن فِي الرِّكَاز وَحَكَمَ بِأَخْذِ الْخُمُس ، مَعَ أَنَّ الشَّارِع مُصَرِّح بِخِلَافِهِ وَتَعَامُل السَّلَف يَكْفِي لِتَعْيِينِ مُرَاده .
وَلَوْ قِيلَ مِنْ قِبَل الْحَنَفِيَّة إِنَّ التَّنَاوُل اللُّغَوِيّ يُسَاعِدهُ ، يُقَال لَهُ إِنَّ التَّنَاوُل اللُّغَوِيّ لَمْ يَثْبُت عِنْد أَهْل الْحِجَاز كَمَا سَلَفَ قَوْل الْخَطَّابِيُّ .
وَقَالَ اِبْن الْأَثِير : الرِّكَاز عِنْد أَهْل الْحِجَاز كُنُوز الْجَاهِلِيَّة الْمَدْفُونَة فِي الْأَرْض وَعِنْد أَهْل الْعِرَاق الْمَعَادِن تَحْتَمِلهُمَا اللُّغَة لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوز فِي الْأَرْض@

الصفحة 342