كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

أَيْ ثَابِت ، يُقَال رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رَكْزًا إِذَا دَفَنَهُ وَأَرْكَزَ الرَّجُل إِذَا وَجَدَ الرِّكَاز ، وَالْحَدِيث إِنَّمَا جَاءَ فِي التَّفْسِير الْأَوَّل وَهُوَ الْكَنْز الْجَاهِلِيّ ، وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُس لِكَثْرَةِ نَفْعه وَسُهُولَة أَخْذه اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْحَافِظ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيب : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِرَاق وَأَهْل الْحِجَاز فِي تَفْسِيره ، قَالَ أَهْل الْعِرَاق هُوَ الْمَعَادِن ، وَقَالَ أَهْل الْحِجَاز هُوَ كُنُوز أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَكُلّ مُحْتَمَل فِي اللُّغَة اِنْتَهَى .
وَقَالَ الزَّرَكَشِيُّ فِي التَّنْقِيح : الرِّكَاز هُوَ الْمَال الْعَادِيّ الْمَدْفُون فِي الْجَاهِلِيَّة اِنْتَهَى وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ فِي الصِّحَاح : الرِّكَاز دَفِين أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَأَنَّهُ رُكِزَ فِي الْأَرْض رَكْزًا وَفِي الْحَدِيث " فِي الرِّكَاز الْخُمُس " تَقُول مِنْهُ أَرَكَزَ الرَّجُل إِذَا وَجَدَهُ اِنْتَهَى .
وَفِي الْمِصْبَاح : الرِّكَاز الْمَال الْمَدْفُون فِي الْجَاهِلِيَّة ، فِعَال بِمَعْنَى مَفْعُول كَالْبِسَاطِ بِمَعْنَى الْمَبْسُوط وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْمَكْتُوب ، وَيُقَال هُوَ الْمَعْدِن وَأَرْكَزَ الرَّجُل إِرْكَازًا وَجَدَ رِكَازًا اِنْتَهَى .
فَظَهَرَ مِنْ كُلّ ذَلِكَ أَنَّ التَّنَاوُل اللُّغَوِيّ لَا يَصِحّ عِنْد أَهْل الْحِجَاز لِأَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ الرِّكَاز عَلَى الْمَعَادِن وَلَا شُبْهَة أَنَّ النَّبِيّ الْحِجَازِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِلُغَةِ أَهْل الْحِجَاز وَأَرَادَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ ، وَلِذَا قَالَ أَهْل الْحَدِيث إِنَّهُ هُوَ الْمُرَاد عِنْد الشَّارِع ، وَصَرَّحَ أَهْل اللُّغَة أَنَّهُ هُوَ الْمُرَاد فِي الْحَدِيث لِكَوْنِهِ لُغَة أَهْل الْحِجَاز ، وَلِذَا اِقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَلَى تَفْسِير أَهْل الْحِجَاز ، وَلِذَا مَرَّضَ أَيْضًا صَاحِب الْمِصْبَاح التَّفْسِير الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُوَافِق لُغَة أَهْل الْحِجَاز فَمَنْ اِسْتَدَلَّ بَعْد ذَلِكَ بِالتَّنَاوُلِ اللُّغَوِيّ فَقَدْ أَخْطَأَ .
وَلَوْ سَلِمَ التَّنَاوُل اللُّغَوِيّ وَأُغْمِض النَّظَر عَنْ جَمِيع ذَلِكَ فَالتَّنَاوُل اللُّغَوِيّ@

الصفحة 343