كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

وَالثَّبَات تَسْلِيم لِمَا لَمْ يَسْبِق مِنْهُ اِخْتِيَار فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِد فِرَارًا بَلْ خَرَجَ لِنَحْوِ حَاجَة لَمْ يَحْرُم . قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِير
( يَعْنِي الطَّاعُون )
: الطَّاعُون بِوَزْنِ فَاعُول مِنْ الطَّعْن عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْت الْعَامّ كَالْوَبَاءِ وَيُقَال طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُون وَطَعِين إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُون ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْن بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُون هَذَا كَلَام الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ الْخَلِيل : الطَّاعُون الْوَبَاء . وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَة : الطَّاعُون الْمَرَض الْعَامّ الَّذِي يَفْسُد لَهُ الْهَوَاء وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَة وَالْأَبْدَان . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الطَّاعُون الْوَجَع الْغَالِب الَّذِي يُطْفِئ الرُّوح كَالذَّبْحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابه وَسُرْعَة قَتْله . وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِّيّ : هُوَ مَرَض يَعُمّ الْكَثِير مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْجِهَات بِخِلَافِ الْمُعْتَاد مِنْ أَمْرَاض النَّاس ، وَيَكُون مَرَضهمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّة الْأَوْقَات ، فَتَكُون الْأَمْرَاض مُخْتَلِفَة . وَقَالَ عِيَاض : أَصْل الطَّاعُون الْقُرُوح الْخَارِجَة فِي الْجَسَد ، وَالْوَبَاء عُمُوم الْأَمْرَاض فَسُمِّيْت طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الْهَلَاك وَإِلَّا فَكُلّ طَاعُون وَبَاء وَلَيْسَ كُلّ وَبَاء طَاعُونًا . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ بَثْر وَوَرَم مُؤْلِم جِدًّا يَخْرُج مَعَ لَهَب وَيَسْوَدّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرّ أَوْ يَحْمَرّ حُمْرَة شَدِيدَة بَنَفْسَجِيَّة كَدِرَةِ وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَان وَقَيْء ، وَيَخْرُج غَالِبًا فِي الْمَرَاق وَالْآبَاط ، وَقَدْ يَخْرُج فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِع وَسَائِر الْجَسَد . وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَطِبَّاء مِنْهُمْ أَبُو عَلِيّ بْن سِينَا : الطَّاعُون مَادَّة سُمَيَّة تُحْدِث وَرَمَا قَتَّالًا يَحْدُث فِي الْمَوَاضِع الرَّخْوَة وَالْمَغَابِن مِنْ الْبَدَن وَأَغْلَب مَا تَكُون تَحْت الْإِبْط أَوْ خَلْف الْأُذُن أَوْ عِنْد الْأَرْنَبَة . قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح . وَالْمُرَاد بِالطَّاعُونِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْهَرَب عَنْهُ الْوَعِيد هُوَ الْوَبَاء وَكُلّ مَوْت عَامّ . قَالَ الْخَطَّابِيّ فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : " لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ " إِثْبَات الْحَذَر وَالنَّهْي عَنْ التَّعَرُّض لِلتَّلَفِ ، وَفِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ إِثْبَات التَّوَكُّل وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى وَقَضَائِهِ فَأَحَد الْأَمْرَيْنِ تَأْدِيب وَتَعْلِيم ، وَالْآخَر تَفْوِيض وَتَسْلِيم اِنْتَهَى .@

الصفحة 368