كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مُطَوَّلًا ، وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخْذ بِظَاهِرِ الْحَدِيث وَهُمْ الْأَكْثَر . وَعَنْ عَائِشَة قَالَتْ هُوَ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْف .
وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ إِلَى بِلَاد الطَّاعُون وَخَرَجَ عَنْهَا ، وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَب عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى خُرُوجه مِنْ سَرْغ .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَمَسْرُوق وَالْأَسْوَد بْن هِلَال أَنَّهُمْ فَرُّوا مِنْ الطَّاعُون . وَرُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ نَحْوه . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : لَمْ يَنْهَ عَنْ دُخُول أَرْض الطَّاعُون وَالْخُرُوج عَنْهَا مَخَافَة أَنْ يُصِيبهُ غَيْر مَا كُتِبَ عَلَيْهِ ، أَوْ يَهْلَك قَبْل أَجَله لَكِنْ حَذَارِ الْفِتْنَة عَلَى الْحَيّ مِنْ أَنْ يَظُنّ أَنَّ هَلَاك مَنْ هَلَكَ لِأَجْلِ قُدُومه ، وَنَجَاة مِنْ نَجَا لِفِرَارِهِ ، وَهَذَا نَحْو نَهْيه عَنْ الطِّيَرَة وَالْقُرْب مِنْ الْمَجْذُوم مَعَ قَوْله " لَا عَدْوَى " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : الطَّاعُون فِتْنَة عَلَى الْمُقِيم وَعَلَى الْفَارّ ، أَمَّا الْفَارّ فَيَقُول فَرَرْت فَنَجَوْت ، وَأَمَّا الْمُقِيم فَيَقُول أَقَمْت فَمُتّ اِنْتَهَى كَلَام الْمُنْذِرِيُّ .
وَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقه عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الطَّاعُون رِجْز أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ . "
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " الطَّاعُون شَهَادَة لِكُلِّ مُسْلِم " .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : " سَأَلْتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُون فَقَالَ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثهُ اللَّه عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ فَجَعَلَهُ اللَّه رَحْمَة@

الصفحة 369