كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

فَحَسُنَ أَنْ يَأْتِي بِالصِّيغَةِ الْمُقْتَضِيَة لِلِاتِّصَافِ بِالْحَيَاةِ ، وَلَمَّا كَانَتْ الْوَفَاة لَمْ تَقَع بَعْد حَسُنَ أَنْ يَأْتِي بِصِيغَةِ الشَّرْط وَالظَّاهِر أَنَّ هَذَا التَّفْصِيل يَشْمَل مَا إِذَا كَانَ الضُّرّ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهُ . قَالَ بَعْضهمْ : قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مَوْته اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى تَمَنٍّ لِلْمَوْتِ ، وَقَدْ تَمَنَّى الْمَوْت عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَذَلِكَ مُعَارِض يَعْنِي لِأَحَادِيث النَّهْي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت . وَأَجَابَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْد أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَيِّت فِي يَوْمه ذَلِكَ وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَة لَا كَرْب عَلَى أَبِيك بَعْد الْيَوْم ، وَقَوْل عَائِشَة سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَا يُقْبَض نَبِيّ حَتَّى يُخَيَّر " ، فَلَمَّا سَمِعَتْهُ يَقُول الرَّفِيق الْأَعْلَى عَلِمْتُ أَنَّهُ ذَاهِب . قَالَ : وَأَمَّا حَدِيث عُمَر وَعَلِيّ فَفِيهِمَا بَيَان مَعْنَى نَهْيه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت وَأَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ إِذَا نَزَلَ بِالْمُؤْمِنِ مَرَض أَوْ ضِيق فِي دُنْيَاهُ فَلَا يَتَمَنَّى الْمَوْت عِنْد ذَلِكَ ، فَإِذَا خَشِيَ أَنْ يُصَاب فِي دِينه فَمُبَاح لَهُ أَنْ يَدْعُو بِالْمَوْتِ قَبْل مُصَابه بِدِينِهِ ، وَلَا يَسْتَعْمِل عُمَر هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّهُ خَشِيَ عِنْد كِبَر سِنّه وَضَعْف قُوَّته أَنْ يَعْجِز عَنْ الْقِيَام بِمَا اِفْتَرَضَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ أَمْر الْأُمَّة ، فَأَجَابَ اللَّه دُعَاءَهُ وَأَمَاتَهُ بِأَنْ قُتِلَ اِنْسِلَاخ الشَّهْر . وَكَذَلِكَ خَشِيَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ سَأْمَتِهِ لِرَعِيَّتِهِ وَسَأْمَتِهِمْ لَهُ . وَقَدْ سَأَلَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز الْوَفَاة لِنَفْسِهِ حِرْصًا عَلَى السَّلَامَة مِنْ التَّغْيِير رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ اِنْتَهَى كَلَام الْمُنْذِرِيُّ .@

الصفحة 374