كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

مَضَاجِعهمْ )
: أَيْ مَقَاتِلهمْ وَالْمَعْنَى لَا تَنْقُلُوا الشُّهَدَاء مِنْ مَقْتَلهمْ بَلْ اِدْفِنُوهُمْ حَيْثُ قُتِلُوا ، وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي مَوْضِع لَا يُنْقَل إِلَى بَلَد آخَر قَالَهُ بَعْض الْأَئِمَّة ، وَالظَّاهِر أَنَّ نَهْي النَّقْل مُخْتَصّ بِالشُّهَدَاءِ ، لِأَنَّهُ نَقَلَ اِبْن أَبِي وَقَاصّ مِنْ قَصْره إِلَى الْمَدِينَة بِحُضُورِ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَلَمْ يُنْكِرُوا ، وَالْأَظْهَر أَنْ يُحْمَل النَّهْي عَلَى نَقْلهمْ بَعْد دَفْنهمْ لِغَيْرِ عُذْر ، وَيُؤَيِّدهُ لَفْظ " مَضَاجِعهمْ " قَالَهُ الْقَارِي .
وَقَالَ الْعَيْنِيّ : وَأَمَّا نَقْل الْمَيِّت مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع فَكَرِهَهُ جَمَاعَة وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ .
وَقَالَ الْمَازِرِيّ : ظَاهِر مَذْهَبنَا جَوَاز نَقْل الْمَيِّت مِنْ بَلَد إِلَى بَلَد ، وَقَدْ مَاتَ سَعْد بْن أَبِي وَقَاصّ وَسَعِيد بْن زَيْد بِالْعَقِيقِ وَدُفِنَا بِالْمَدِينَةِ اِنْتَهَى أَيْ كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ .
وَقَالَ السُّيُوطِي فِي تَارِيخ الْخُلَفَاء فِي خِلَافَة عَلِيّ قَالَ شَرِيك نَقَلَهُ اِبْنه الْحَسَن إِلَى الْمَدِينَة . وَقَالَ الْمُبَرِّد عَنْ مُحَمَّد بْن حَبِيب : أَوَّل مَنْ حُوِّلَ مِنْ قَبْر إِلَى قَبْر عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
وَأَخْرَجَ اِبْن عَسَاكِر عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ : " لَمَّا قُتِلَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب حَمَلُوهُ لِيَدْفِنُوهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِنْتَهَى وَفِي هَذِهِ الْآثَار جَوَاز نَقْل الْمَيِّت مِنْ الْمَوْطِن الَّذِي مَاتَ فِيهِ إِلَى مَوْطِن آخَر يُدْفَن فِيهِ ، وَالْأَصْل الْجَوَاز فَلَا يُمْنَع مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِدَلِيلٍ .
وَأَمَّا حَدِيث جَابِر بْن عَبْد اللَّه فَفِيهِ إِرْجَاع الشَّهِيد إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي أُصِيب فِيهِ بَعْد نَقْله وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ دُفِنُوا بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنْ الْقُبُور وَنُقِلُوا ، فَهَذَا النَّهْي مُخْتَصّ بِالشُّهَدَاءِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .@

الصفحة 447