كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

فَلَا يُحْمَل عَلَى التَّخْصِيص نَظَرًا إِلَى مُفْرَدَات التَّرْكِيب ، كَأَنَّهُ قِيلَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات كُلّهمْ أَجْمَعِينَ ، فَهِيَ مِنْ الْكِنَايَة الزَّيْدِيَّة يَدُلّ عَلَيْهِ جَمْعه فِي قَوْله " اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته " إِلَخْ . قَالَهُ الْقَارِي
( وَشَاهِدِنَا )
: أَيْ حَاضِرنَا
( فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَان )
: الْمَشْهُور الْمَوْجُود فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَغَيْره فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَام وَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَان وَهُوَ الظَّاهِر الْمُنَاسِب ، لِأَنَّ الْإِسْلَام هُوَ التَّمَسُّك بِالْأَرْكَانِ الظَّاهِرِيَّة وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي حَالَة الْحَيَاة ، وَأَمَّا الْإِيمَان فَهُوَ التَّصْدِيق الْبَاطِنِيّ وَهُوَ الَّذِي الْمَطْلُوب عَلَيْهِ الْوَفَاة وَالْأَوَّل مُتَخَصِّص بِالْإِحْيَاءِ وَالثَّانِي بِالْإِمَاتَةِ هُوَ الْوَجْه وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم ، قَالَهُ فِي فَتْح الْوَدُود .
وَقَالَ الْقَارِي : فَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة الَّتِي أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيّ وَغَيْره هِيَ الْعُمْدَة ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ إِمَّا مِنْ تَصَرُّفَات الرُّوَاة نِسْيَانًا أَوْ بِنَاء عَلَى زَعْم أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَجَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى أَوْ يُقَال فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَان أَيْ وَتَوَابِعه مِنْ الْأَرْكَان ، وَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَام أَيْ عَلَى الِانْقِيَاد وَالتَّسْلِيم لِأَنَّ الْمَوْت مُقَدِّمَة : { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } اِنْتَهَى .
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل : وَلَفْظ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَام هَذَا هُوَ الثَّابِت عِنْد الْأَكْثَر ، وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ " فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَان وَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَان " . وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كُتُب الْفِقْه ذِكْر أَدْعِيَة غَيْر الْمَأْثُور عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَسُّك بِالثَّابِتِ عَنْهُ أَوْلَى ، وَاخْتِلَاف الْأَحَادِيث فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو لِمَيِّتٍ بِدُعَاءٍ وَلِآخَر بِآخَر ، وَاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْلَاص الدُّعَاء .@

الصفحة 499