كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 8)

وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَخْصُوص أَوْ مَنْسُوخ وَلَمْ يَأْتِ لِذَلِكَ بِدَلِيلٍ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَمْ يُنْقَل أَنَّ النَّبِيّ أَمَرَ كُلّ وَاحِدَة مِنْ نِسَائِهِ بِأُضْحِيَّةٍ مَعَ تَكْرَار سِنّ الضَّحَايَا وَمَعَ تَعَدُّدهنَّ ، وَالْعَادَة تَقْضِي بِنَقْلِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ كَمَا نُقِلَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْجُزْئِيَّات . وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِك وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق عَطَاء بْن يَسَار " سَأَلْت أَبَا أَيُّوب " فَذَكَرَ الْحَدِيث اِنْتَهَى .
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي السَّيْل الْجَرَّار : وَالْحَقّ أَنَّهَا تُجْزِئ عَنْ أَهْل الْبَيْت وَإِنْ كَانُوا مِائَة نَفْس اِنْتَهَى ، وَهَكَذَا فِي النَّيْل وَالدَّرَارِيّ الْمُضِيئَة كِلَاهُمَا لِلشَّوْكَانِيّ وَكَذَا فِي سُبُل السَّلَام وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كُتُب الْمُحَدِّثِينَ .
وَالْحَاصِل أَنَّ الشَّاة الْوَاحِدَة تُجْزِئ فِي الْأُضْحِيَّة دُون الْهَدْي عَنْ الرَّجُل وَعَنْ أَهْله وَإِنْ كَثُرُوا كَمَا تَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ ، وَرِوَايَة جَابِر عِنْد الدَّارِمِيِّ وَأَصْحَاب السُّنَن ، وَرِوَايَة أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ عِنْد مَالِك وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ ، وَرِوَايَة عَبْد اللَّه بْن هِشَام وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيّ عِنْد الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك ، وَرِوَايَة أَبِي طَلْحَة وَأَنَس عِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة ، وَرِوَايَة أَبِي رَافِع ، وَجَدَ أَبِي الْأَشَدّ عِنْد أَحْمَد ، وَرِوَايَة غَيْر ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة . وَمَا زَعَمَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مَنْسُوخ أَوْ مَخْصُوص بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيّ . فَإِنَّ النَّسْخ وَالتَّخْصِيص لَا يَثْبُتَانِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَلْ رَوَى عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَة وَابْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره ، وَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَغَيْرهمْ مِنْ الْأَئِمَّة . وَمُتَمَسَّك مَنْ قَالَ إِنَّ الشَّاة الْوَاحِدَة فِي الْأُضْحِيَّة لَا تُجْزِئ عَنْ جَمَاعَة الْقِيَاس عَلَى الْهَدْي وَهُوَ فَاسِد الِاعْتِبَار لِأَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابِل النَّصّ ، وَالضَّحِيَّة غَيْر الْهَدْي وَلَهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُقَاسَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر ، لِأَنَّ النَّصّ وَرَدَ عَلَى التَّفْرِقَة فَوَجَبَ تَقْدِيمه عَلَى@

الصفحة 6