كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

الطَّبَرَانِيُّ وَأَصْله فِي اِبْن مَاجَهْ لَكِنْ أَجَابَ بَعْض الْحَنَفِيَّة عَنْ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَصِير كَالْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَام وَهُوَ يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ فَإِنَّهُ جَائِز اِتِّفَاقًا اِنْتَهَى .
وَفِي زَاد الْمَعَاد : وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيه وَسُنَّته الصَّلَاة عَلَى كُلّ مَيِّت غَائِب فَقَدْ مَاتَ خَلْق كَثِير مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ غُيَّب فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ صَلَاته عَلَى الْمَيِّت ، فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاث طُرُق أَحَدهَا أَنَّ هَذَا تَشْرِيع مِنْهُ وَسُنَّة لِلْأُمَّةِ الصَّلَاة عَلَى كُلّ غَائِب ، وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك هَذَا خَاصّ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ، وَقَالَهُ أَصْحَابهمَا . وَمِنْ الْجَائِز أَنْ يَكُون رُفِعَ لَهُ سَرِيره فَصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى صَلَاته عَلَى الْحَاضِر الْمُشَاهَد وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَة مِنْ الْبُعْد وَالصَّحَابَة وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ فَهُمْ تَابِعُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة . قَالُوا : وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى كُلّ الْغَائِبِينَ غَيْره وَتَرْكه سُنَّة كَمَا أَنَّ فِعْله سُنَّة ، وَلَا سَبِيل إِلَى أَحَد بَعْده إِلَى أَنْ يُعَايِن سَرِير الْمَيِّت مِنْ الْمَسَافَة الْبَعِيدَة وَيُرْفَع لَهُ حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهِ ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة وَهُوَ غَائِب وَلَكِنْ لَا يَصِحّ ، فَإِنَّ فِي إِسْنَاده الْعَلَاء بْن زَيْد قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ كَانَ يَضَع الْحَدِيث ، وَرَوَاهُ مَحْبُوب بْن هِلَال عَنْ عَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة عَنْ أَنَس قَالَ الْبُخَارِيّ لَا يُتَابَع عَلَيْهِ .
وَقَالَ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَّةَ : الصَّوَاب أَنَّ الْغَائِب إِنْ مَاتَ بِبَلَدٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فِيهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب ، كَمَا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ لِأَنَّهُ مَاتَ بَيْن الْكُفَّار وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ صُلِّيَ حَيْثُ مَاتَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ@

الصفحة 10