كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

لَا يَفْعَل لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَال حُكْمه وَإِسْقَاط لُزُوم الْوَفَاء بِهِ إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ قَدْ صَارَ مَعْصِيَة فَلَا يَلْزَم الْوَفَاء بِهِ ، وَإِنَّمَا وَجْه الْحَدِيث أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْر مِمَّا لَا يُجْلَب لَهُمْ فِي الْعَاجِل نَفْعًا وَلَا يَدْفَع عَنْهُمْ ضَرَرًا ، فَلَا يُرِدْ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّه تَعَالَى ، يَقُول : لَا تُنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرهُ اللَّه لَكُمْ ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاء بِهِ عَلَيْكُمْ ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِم لَكُمْ . هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث وَوَجْهه . وَقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يُسْتَخْرَج بِهِ مِنْ الْبَخِيل فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوب اِسْتِخْرَاجه مِنْ مَاله ، وَلَوْ كَانَ غَيْر لَازِم لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْرَه عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم
( لَا يَرُدّ شَيْئًا )
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّذْر إِنَّمَا يَصِحّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ كَمَا يَقُول إِنْ شَفَى اللَّه مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَم ، وَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ سَلِمَ مَالِي فِي نَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور . فَأَمَّا إِذَا قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّق بِأَلْفِ دِرْهَم فَلَيْسَ هَذَا بِنَذْرٍ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَهُوَ غَالِب مَذْهَبه . وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ : النَّذْر وَعْد بِشَرْطٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : النَّذْر لَازِم وَإِنْ لَمْ يُعَلَّق بِشَرْطٍ وَاَللَّه أَعْلَم
( وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَج بِهِ )
أَيْ بِسَبَبِ النَّذْر
( مِنْ الْبَخِيل )
لِأَنَّ غَيْر الْبَخِيل يُعْطِي بِاخْتِيَارِهِ بِلَا وَاسِطَة النَّذْر .
قَالَ الْعَيْنِيّ : يَعْنِي أَنَّ مِنْ النَّاس مَنْ لَا يَسْمَح بِالصَّدَقَةِ وَالصَّوْم إِلَّا إِذَا نَذَرَ شَيْئًا لِخَوْفٍ أَوْ طَمَع ، فَكَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْء الَّذِي طَمَع فِيهِ أَوْ خَافَهُ لَمْ يَسْمَح بِإِخْرَاجِ مَا قَدَّرَهُ اللَّه تَعَالَى مَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلهُ فَهُوَ بَخِيل اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ اِنْتَهَى .@

الصفحة 102