كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

صَلَاة الْغَائِب لِأَنَّ الْفَرْض قَدْ سَقَطَ لِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْغَائِب وَتَرَكَهُ ، وَفِعْله وَتَرْكه سُنَّة ، هَذَا لَهُ مَوْضِع وَهَذَا لَهُ مَوْضِع ، وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَاب أَحْمَد الصَّلَاة عَلَيْهِ مُطْلَقًا اِنْتَهَى .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة ، وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَة أَحَدهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ لَهُ سَرِيره فَرَآهُ فَيَكُون الصَّلَاة عَلَيْهِ كَمَيِّتٍ رَآهُ الْإِمَام وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين : وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْلِ بَيِّنَة وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَال .
قُلْت : وَرَدَ مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ تُوُفِّيَ فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفُّوا خَلْفه فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَته بَيْن يَدَيْهِ " .
الثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ بَاب الضَّرُورَة لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يَقُمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَة الصَّلَاة ، فَتَعَيَّنَ فَرْض الصَّلَاة عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ . ثُمَّ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ غَيْره ، وَقَدْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَة خَلْق كَثِير وَهُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ وَسَمِعَ بِهِمْ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ إِلَّا غَائِبًا وَاحِدًا اِنْتَهَى .
وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ : وَدَلَائِل الْخُصُوصِيَّة وَاضِحَة لَا يَجُوز أَنْ يُشْرِكهُ فِيهَا غَيْره لِأَنَّهُ وَاَللَّه أَعْلَم أُحْضِرَ رُوحه بَيْن يَدَيْهِ أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جَنَازَته حَتَّى شَاهَدَهَا كَمَا رُفِعَ لَهُ بَيْت الْمَقْدِس حِين سَأَلَتْهُ قُرَيْش عَنْ صِفَته اِنْتَهَى .
قُلْت دَعْوَى الْخُصُوصِيَّة لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيل وَلَا بُرْهَان ، بَلْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهَلُمُّوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " وَقَوْله : " فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " وَقَوْل جَابِر " فَصَفَفْنَا خَلْفه فَصَلَّى عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوف " وَقَوْل أَبِي هُرَيْرَة " ثُمَّ قَالَ اِسْتَغْفِرُوا @

الصفحة 11