كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ صَلَاة الْجَنَازَة اِسْتِغْفَار وَدُعَاء وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طَرِيق أَدَائِهَا بِثَلَاثَةِ أَنْوَاع النَّوْع الْأَوَّل أَنْ يَكُون الْمَيِّت مَشْهُودًا حَاضِرًا قُدَّام الْمُصَلِّينَ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَالْعُمْدَة فِيهِ ، وَلَا يَجُوز غَيْر هَذَا النَّوْع لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَيِّت الْحَاضِر الشَّاهِد ثُمَّ صَلَّى بَعْده عَلَى قَبْره أَوْ صَلَّى صَلَاة الْغَائِب عَلَيْهِ . وَالنَّوْع الثَّانِي الصَّلَاة عَلَى قَبْر الْمَيِّت لِمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَة أَوْ الْقَرْيَة لَكِنْ مَا أَمْكَنَ مِنْ الصَّلَاة عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّت حَتَّى دُفِنَ أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِع فَلَمَّا دَخَلَ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ فَصَلَّى عَلَى قَبْره كَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاته عَلَى الْمِسْكِينَة أُمّ سَعْد وَأُمّ أَبِي أُمَامَةَ وَطَلْحَة بْن الْبَرَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ، النَّوْع الثَّالِث أَنْ يَكُون الْمَيِّت فِي بَلَد آخَر وَجَاءَ نَعْيه فِي بَلَد آخَر فَيُصَلُّونَ صَلَاة الْغَائِب عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّت مِنْ الْمَسَافَة الْبَعِيدَة أَوْ الْقَصِيرَة كَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجَاشِيِّ وَمُعَاوِيَة بْن الْمُزَنِيِّ وَلَا شَكّ أَنَّ الْعُمْدَة فِي هَذَا هُوَ النَّوْع الْأَوَّل ، وَالْفَرْض قَدْ يَسْقُط لِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا النَّوْع الثَّانِي وَالثَّالِث فَدُعَاءٌ مَحْض وَاسْتِغْفَار خَالِص لِلْمَيِّتِ عَلَى سَبِيل الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى سَبِيل الْفَرْضِيَّة .
الْوَجْه الثَّالِث أَنَّ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَيِّت الْغَائِب فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَرْبَعَة مِنْ الصَّحَابَة : الْأَوَّل النَّجَاشِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقِصَّته فِي الْكُتُب السِّتَّة وَغَيْرهَا مِنْ حَدِيث جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة بِأَسَانِيد صَحِيحَة ، وَالِاعْتِمَاد فِي هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث النَّجَاشِيّ وَيُضَمّ إِلَيْهِ غَيْره مِنْ الرِّوَايَات .
وَالْغَائِب الثَّانِي مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ .
وَالثَّالِث وَالرَّابِع زَيْد بْن حَارِثَة ، وَجَعْفَر بْن أَبِي طَالِب .
أَمَّا مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة وَقَالُوا @

الصفحة 14