كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

كُلّ تَقْدِير لَيْسَ اللَّحْد وَاجِبًا وَالشَّقّ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ يَفْعَلهُ أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ لَا يَكُون إِلَّا بِأَمْرٍ مِنْ الرَّسُول أَوْ تَقْرِير مِنْهُ ، وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّ أَيّهمَا جَاءَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَله اِنْتَهَى كَلَامه .
وَعِنْد أَحْمَد مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر بِلَفْظِ : " أَنَّهُمْ أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدًا " وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ : " أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْر وَعُمَر " .
وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس الَّذِي فِي الْبَاب لَمْ يَتَكَلَّم عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن السَّكَن قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيّ كَمَا وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي بَعْض النُّسَخ الصَّحِيحَة مِنْ جَامِعه . وَفِي إِسْنَاده عَبْد الْأَعْلَى بْن عَامِر . قَالَ الْمُنَاوِيّ : قَالَ جَمْع لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ وَقَالَ أَحْمَد : مُنْكَر الْحَدِيث . وَقَالَ اِبْن مَعِين : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ . وَقَالَ اِبْن عَدِيّ حَدَّثَ بِأَشْيَاء لَا يُتَابَع عَلَيْهَا . وَقَالَ اِبْن الْقَطَّان : فَأَرَى هَذَا الْحَدِيث لَا يَصِحّ مِنْ أَجْله . وَقَالَ اِبْن حَجَرٍ : الْحَدِيث ضَعِيف مِنْ وَجْهَيْنِ . اِنْتَهَى كَلَامه .
فَإِنْ قُلْت : لَمَّا كَانَ عِنْد اِبْن عَبَّاس عِلْم فِي ذَلِكَ لِمَ تَحَيَّرَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مَوْته هَلْ يُلْحِدُونَ لَهُ أَوْ يَضْرَحُونَ ؟ قُلْت : يُمْكِن أَنْ يَكُون مَنْ سَمِعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَمْ يَحْضُر عِنْد مَوْته .
وَقَدْ أَغْرَبَ الْعَيْنِيّ فِي شَرْح الْبُخَارِيّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس : وَمَعْنَى اللَّحْد لَنَا أَيْ لِأَجْلِ أَمْوَات الْمُسْلِمِينَ وَالشَّقّ لِأَجْلِ أَمْوَات الْكُفَّار اِنْتَهَى وَقَدْ قَالَ الْحَافِظ زَيْن الدِّين الْعِرَاقِيّ : الْمُرَاد بِقَوْلِهِ لِغَيْرِنَا أَهْل الْكِتَاب كَمَا وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث جَرِير فِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد ، وَالشَّقّ لِأَهْلِ الْكِتَاب اِنْتَهَى .@

الصفحة 26