كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا وجعله من الكبائر وتوعد آكله بمحاربة الله ورسوله لما فيه من أعظم الفساد والضرر فكيف يتصور مع هذا أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل
فيالله العجب أترى هذه الحيلة أزالت تلك المفسدة العظيمة وقلبتها مصلحة بعد أن كانت مفسدة وأيضا فإن الله سبحانه عاقب أهل الجنة الذين أقسموا ليصرمنها مصبحين وكان مقصودهم منع حق الفقراء من التمر المتساقط وقت الحصاد فلما قصدوا منع حقهم منعهم الله الثمرة جملة
ولا يقال فالعقوبة إنما كانت على رد الاستثناء وحده لوجهين
أحدهما أن العقوبة من جنس العمل وترك الاستثناء عقوبته أن يعوق وينسى لا إهلاك ماله بخلاف عقوبة ذنب الحرمان فإنها حرمان كالذنب
الثاني أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين
وذنب العقوبة على ذلك فلو لم يكن لهذا الوصف مدخل في العقوبة لم يكن لذكره فائدة فإن لم يكن هو العلة التامة كان جزءا من العلة
وعلى التقديرين يحصل المقصود
وأيضا فإن النبي قال والمتوسل بالوسيلة التي صورتها مباحة إلى المحرم إنما نيته المحرم ونيته أولى به من ظاهر عمله
وأيضا فقد روى ابن بطة وغيره بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل وإسناده مما يصححه الترمذي
وأيضا فإن النبي قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها وجملوها يعني أذابوها وخلطوها وإنما فعلوا ذلك ليزول عنها اسم الشحم ويحدث لها اسم آخر وهو الودك وذلك لا يفيد الحل فإن التحريم تابع للحقيقة وهي لم تتبدل بتبدل الاسم
وهذا الربا تحريمه تابع لمعناه وحقيقته فلا يزول بتبدل الاسم بصورة البيع كما

الصفحة 340