كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

قَالَ الْخَطَّابِيّ : هَذَا الْحَدِيث مُرْسَل ، وَذَهَبَ أَكْثَر الْفُقَهَاء إِلَى أَنَّ مِلْكَهَا لَمْ يُزَلْ عَنْ صَاحِبهَا بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَسَبِيلهَا سَبِيل اللُّقَطَة ، فَإِذَا جَاءَ رَبّهَا وَجَبَ عَلَى آخِذِهَا رَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق : هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا إِذَا كَانَ صَاحِبهَا تَرَكَهَا بِمُهْلَكَةٍ وَاحْتَجَّ إِسْحَاق بِحَدِيثِ الشَّعْبِيّ هَذَا . وَقَالَ عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن قَاضِي الْبَصْرَة فِيهَا وَفِي النَّوَاة الَّتِي يُلْقِيهَا مَنْ يَأْكُل التَّمَرَات قَالَ صَاحِبهَا لَمْ أُبِحْهَا لِلنَّاسِ فَالْقَوْل قَوْله وَيَسْتَحْلِف أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ اِنْتَهَى .
قُلْت : فِي قَوْل الْخَطَّابِيّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيث مُرْسَل نَظَر ، لِأَنَّ الشَّعْبِيّ قَدْ رَوَاهُ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ مُصَرَّح فِي آخِر الْحَدِيث ، وَأَمَّا جَهَالَة الصَّحَابَة الَّذِينَ أَبْهَمَهُمْ الشَّعْبِيّ فَغَيْر قَادِحَة فِي الْحَدِيث ، لِأَنَّ مَجْهُولهمْ مَقْبُول عَلَى مَا هُوَ الْحَقّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرّه ، وَالشَّعْبِيّ قَدْ لَقِيَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة .
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِمَالِك الدَّابَّة التَّسْيِيب فِي الصَّحْرَاء إِذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَام بِهَا ، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه إِلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى مَالِك الدَّابَّة أَنْ يَعْلِفهَا أَوْ يَبِيعهَا أَوْ يُسَيِّبهَا فِي مَرْتَع فَإِنْ تَمَرَّدَ أُجْبِرَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : بَلْ يُؤْمَر اِسْتِصْلَاحًا لَا حَتْمًا كَالشَّجَرِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَات الرُّوح تُفَارِق الشَّجَر ، وَالْأَوْلَى إِذَا كَانَتْ الدَّابَّة مِمَّا يُؤْكَل لَحْمه أَنْ يَذْبَحهَا مَالِكهَا وَيُطْعِمهَا الْمُحْتَاجِينَ . قَالَ اِبْن رَسْلَان : وَأَمَّا الدَّابَّة الَّتِي عَجَزَتْ عَنْ الِاسْتِعْمَال لِزَمَنِ وَنَحْوه فَلَا يَجُوز لِصَاحِبِهَا تَسْيِيبهَا بَلْ يَجِب عَلَيْهِ نَفَقَتهَا
( فَقُلْت عَمَّنْ )
: أَيْ عَمَّنْ تَرْوِي الْحَدِيث .@

الصفحة 380