كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

إحداهما طريقة صاحب المستوعب وهي أن كل عقد ملك به العوض فإن كان ينتقض بهلاك العوض قبل قبضه كالإجارة والصلح عن المبيع فحكمه في جواز التصرف فيه حكم العوض المتعين بعقد البيع وإن كان العقد لا ينتقض بهلاك العوض المتعين به كالمهر وعوض الخلع والعتق
والصلح عن دم العمد فحكمه حكم المملوك بعقد البيع وما ملك بغير عوض كالميراث والوصية والهبة فالتصرف فيه جائز قبل قبضه
قال المخصصون قد ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر قال كنا مع رسول الله في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره ويقول لي أمسكه لا يتقدم بين يدي النبي فقال له رسول الله بعنيه ياعمر
فقال هو لك يارسول الله
قال بعنيه فباعه منه فقال رسول الله هو لك ياعبد الله فاصنع به ما شئت فهذا تصرف في المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه
قال المعممون لا ريب أن هذا تصرف فيه بالهبة لا بالمعاوضة
ونحن لنا في مثل هذا التصرف قبل القبض خلاف فمن أصحابنا من يجوزه ونفرق بين التصرف فيه بالبيع والتصرف بالهبة
ونلحق الهبة بالعتق ونقول هي إخراج عن ملكه لا تتوالى فيه ضمانات ولا يكون التصرف بها عرضة لربح ما لم يضمن بخلاف البيع ومن أصحابنا من منعها وقال العلة المانعة من بيعه قبل قبضه عدم استقرار الملك وضعفه ولا فرق في ذلك بين تصرف وتصرف فإن صح الفرق بطل القبض وإن بطل القبض سوينا بين التصرفات وعلى هذا فالحديث لا دلالة فيه على التصرف قبل القبض إذا قبض ذلك البعير حصل بالتخلية بينه وبينه مع تميزه وتعينه وهذا كاف في القبض
وقد ذكر للمنع من بيع ما لم يقبض علتان
إحداهما ضعف الملك لأنه لو تلف انفسخ البيع
والثانية أن صحته نفضي إلى توالي الضمانين فإنا لو صححناه كان مضمونا للمشتري

الصفحة 387