كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

الأول على البائع الأول والمشتري الثاني على البائع الثاني فكيف يكون الشيء الواحد مضمونا لشخص مضمونا عليه وهذان التعليلان غير مرضيين
أما الأول فيقال ما تعندون بضعف الملك هل عنيتم به أنه لو طرأ عليه سبب يوجب فسخه ينفسخ به أو أمرا آخر فإن عنيتم الأول فلم قلتم إنه مانع من صحة البيع وأي ملازمة بين الانفساخ بسبب طارىء وبين عدم الصحة شرعا أو عقلا وإن عنيتم بضعف الملك أمرا آخر فعليكم بيانه لننظر فيه
وأما التعليل الثاني فكذلك أيضا ولا تظهر فيه مناسبة تقتضي الحكم فإن كون الشيء مضمونا على الشخص بجهة ومضمونا له بجهة أخرى غير ممتنع شرعا ولا عقلا ويكفي في رده أنه لا دليل على امتناعه كيف وأنتم تجوزون للمستأجر إجارة ما استأجره والمنفعة مضمونة له على المؤجر وهي مضمونة عليه للمستأجر الثاني وكذلك الثمار بعد بدو صلاحها إذا بيعت على أصولها
فهي مضمونة على البائع إذا احتاجت إلى سقى اتفاقا
وإن تلفت بجائحة فهي مضمونة عليه وله
ولهذا لما رأى أبو المعالي الجويني ضعف هذين التعليلين قال لا حاجة إلى ذلك والمعتمد في بطلان البيع إنما هو الإخبار فالشافعي يمنع التصرف في المبيع قبل قبضه ويجعله من ضمان البائع مطلقا وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة كذلك إلا في العقار
وأما مالك وأحمد في المشهور من مذهبه فيقولان ما يمكن المشتري من قبضه وهو المتعين بالعقد فهو من ضمان المشتري ومالك وأحمد يجوزان التصرف فيه ويقولان الممكن من القبض جار مجرى على تفصيل في ذلك
فظاهر مذهب أحمد أن الناقل للضمان إلى المشتري هو التمكن من القبض لا نفسه وكذلك ظاهر مذهبه أن جواز التصرف فيه ليس ملازما للضمان ولا مبتنيا عليه ومن ظن ذلك من أصحابه فقد وهم فإنه يجوز التصرف حيث يكون من ضمان البائع كما ذكرنا في الثمن ومنافع الإجارة وبالعكس أيضا كما في الصبرة المعينة
وقد نص الخرقي على هذا وهذا فقال في المختصر وإذا وقع المبيع على مكيل أو موزون أو معدود فتلف قبل قبضه
فهو من مال البائع

الصفحة 388