كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)
ثم قال ومن اشترى ما يحتاج إلى بيعه لم يجز بيعه حتى يقبضه
ثم قال ومن اشترى صبرة طعام لم يبعها حتى ينقلها
فالصبرة مضمونة على المشتري بالتمكن والتخلية اتفاقا ومع هذا لا يبيعها حتى يقبضها وهذا منصوص أحمد
فالمأخذ الصحيح في المسألة أن النهي معلل بعدم تمام الاستيلاء وعدم انقطاع علاقة البائع عنه فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الأقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه ويغره الربح وتضيق عينه منه وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلما وإلى الخصام والمعاداة والواقع شاهد بهذا
فمن محاسن الشريعة الكاملة الحكيمة منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاؤه عليه وينقطع عن البائع وينفطم عنه فلا يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض وهذا من المصالح التي لا يهملها الشارع حتى إن من لا خبرة له من التجار بالشرع يتحرى ذلك ويقصده لما في ظنه من المصلحة وسد باب المفسدة
وهذه العلة أقوى من تينك العلتين
وعلى هذا فإذا باعه قبل قبضه من بائعه جاز على الصحيح لانتفاء هذه العلة
ومن علل النهي بتوالي الضمانين يمنع بيعه من بائعه لوجود العلة فبيعه من بائعة يشبه الإقالة
والصحيح من القولين جواز الإقالة قبل القبض وإن قلنا هي بيع
وعلى هذا خرج حديث ابن عمر في الاستبدال بثمن المبيع والمصارفة عليه قبل قبضه فإنه استبدال ومصارفة مع العاقد لا مع غيره والله أعلم