كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)
وأما مسألة الإجارة فاختلفت الرواية عن أحمد في جواز إجارة الرجل ما استأجره بزيادة على ثلاث روايات إحداهن المنع مطلقا لئلا يربح فيما لم يضمن وعلى هذا فالنقض مندفع
والثانية أنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا لأن الزيادة لا تكون ربحا بل هي في
مقابلة ما أحدثه من العمارة
وعلى هذه الرواية أيضا فالنقض مندفع
والثالثة أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها مطلقا وهذا مذهب الشافعي وهذه الرواية أصح
فإن المستأجر لو عطل المكان وأتلف منافعه بعد قبضه لتلف من ضمانه لأنه قبضة القبض التام
ولكن لو انهدمت الدار لتلفت من مال المؤجر لزوال محل المنفعة فالمنافع مقبوضة
ولهذا له استثناؤها بنفسه وبنظيره وإيجارها والتبرع بها ولكن كونها مقبوضة مشروط ببقاء العين
فإذا تلفت العين زال محل الاستيفاء فكانت من ضمان المؤجر
وسر المسألة أنه لم يربح فيما لم يضمن وإنما هو مضمون عليه بالأجرة
وأما قوله ولا تبع ما ليس عندك فمطابق لنهيه عن بيع الغرر لأنه إذا باع ما ليس عنده فليس هو على ثقة من حصوله بل قد يحصل له وقد لا يحصل فيكون غررا كبيع الآبق والشارد والطير في الهواء وما تحمل ناقته ونحوه
قال حكيم بن حزام يارسول الله الرجل يأتيني يسألني البيع ليس عندي فأبيعه منه ثم أمضي إلى السوق فأشتريه وأسلمه إياه
فقال لا تبع ما ليس عندك
وقد ظن طائفة أن السلم مخصوص من عموم هذا الحديث فإنه بيع ما ليس عنده
وليس كما ظنوه
فإن الحديث إنما تناول بيع الأعيان وأما السلم فعقد على ما في الذمة بل شرطه أن يكون في الذمة فلو أسلم في معين عنده كان فاسدا وما في الذمة مضمون مستقر فيها
وبيع ما ليس عنده إنما نهي عنه لكونه غير مضمون عليه ولا ثابت في ذمته ولا في يده
فالمبيع لا بد أن يكون ثابتا في ذمة المشتري أو في يده
وبيع ما ليس عنده ليس بواحد منهما
فالحديث باق على عمومه
فإن قيل فأنتم تجوزون للمغصوب منه أن يبيع المغصوب لمن يقدر على انتزاعه من غاصبيه وهو بيع ما ليس عنده