كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)
الْحَقّ لِأَنَّ اِجْتِهَادَهُ عِبَادَة ، وَلَا يُؤْجَر عَلَى الْخَطَأ بَلْ يُوضَع عَنْهُ الْإِثْم فَقَطْ ، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جَامِعًا لِآلَةِ الِاجْتِهَاد عَارِفًا بِالْأُصُولِ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقِيَاس ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ فَهُوَ مُتَكَلِّف وَلَا يُعْذَر بِالْخَطَأِ بَلْ يُخَاف عَلَيْهِ الْوِزْر ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : " الْقُضَاة ثَلَاثَة وَاحِد فِي الْجَنَّة وَاثْنَانِ فِي النَّار " وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفُرُوع الْمُحْتَمَلَة لِلْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَة دُون الْأُصُول الَّتِي هِيَ أَرْكَان الشَّرِيعَة وَأُمَّهَات الْأَحْكَام الَّتِي لَا تَحْتَمِل الْوُجُوه وَلَا مَدْخَل فِيهَا لِلتَّأْوِيلِ ، فَإِنَّ مَنْ أَخْطَأَ فِيهَا كَانَ غَيْر مَعْذُور فِي الْخَطَأ وَكَانَ حُكْمه فِي ذَلِكَ مَرْدُودًا . كَذَا فِي الْمِرْقَاة لِلْقَارِي .
وَقَالَ فِي مُخْتَصَر شَرْح السُّنَّة إِنَّهُ لَا يَجُوز لِغَيْرِ الْمُجْتَهِد أَنْ يَتَقَلَّد الْقَضَاء ، وَلَا يَجُوز لِلْإِمَامِ تَوْلِيَته .
قَالَ وَالْمُجْتَهِد مَنْ جَمَعَ خَمْسَة عُلُوم ، عِلْم كِتَاب اللَّه ، وَعِلْم سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَاوِيل عُلَمَاء السَّلَف مِنْ إِجْمَاعهمْ وَاخْتِلَافهمْ ، وَعِلْم اللُّغَة ، وَعِلْم الْقِيَاس ، وَهُوَ طَرِيق اِسْتِنْبَاط الْحُكْم مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة إِذَا لَمْ يَجِدهُ صَرِيحًا فِي نَصّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ ، فَيَجِب أَنْ يَعْلَم مِنْ عِلْم الْكِتَاب النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ، وَالْمُجْمَلَ وَالْمُفَسَّرَ ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُحْكَم وَالْمُتَشَابِه ، وَالْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ ، وَالْإِبَاحَةَ وَالنَّدْبَ ، وَيَعْرِف مِنْ السُّنَّة هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ، وَيَعْرِف مِنْهَا الصَّحِيح وَالضَّعِيف ، وَالْمُسْنَد وَالْمُرْسَل ، وَيَعْرِف تَرْتِيب السُّنَّة عَلَى الْكِتَاب وَبِالْعَكْسِ ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ حَدِيثًا لَا يُوَافِق ظَاهِره الْكِتَاب اِهْتَدَى إِلَى وَجْه مَحْمَله ، فَإِنَّ السُّنَّة بَيَان لِلْكِتَابِ فَلَا يُخَالِفهُ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ مَعْرِفَةُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مِنْ أَحْكَام الشَّرْع دُون مَا عَدَاهَا مِنْ الْقَصَص وَالْأَخْبَار وَالْمَوَاعِظ ، وَكَذَا يَجِب أَنْ يَعْرِف مِنْ عِلْم اللُّغَة مَا أَتَى فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة مِنْ أُمُور الْأَحْكَام دُون الْإِحَاطَة @
الصفحة 431