كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 9)

صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْم " وَقَالَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة حَسَن .
قَالَ الْقَارِي : أَيْ مُعْطِي الرِّشْوَة وَآخِذُهَا ، وَهِيَ الْوَصْلَة إِلَى الْحَاجَة بِالْمُصَانَعَةِ . قِيلَ الرِّشْوَة مَا يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقّ أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِل ، أَمَّا إِذَا أُعْطِيَ لِيُتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَقّ أَوْ لِيَدْفَع بِهِ عَنْ نَفْسه ظُلْمًا فَلَا بَأْس بِهِ ، وَكَذَا الْآخِذ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِصَابَة صَاحِب الْحَقّ فَلَا بَأْس بِهِ ، لَكِنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون فِي غَيْر الْقُضَاة وَالْوُلَاة ، لِأَنَّ السَّعْي فِي إِصَابَة الْحَقّ إِلَى مُسْتَحِقّه وَدَفْع الظَّالِم عَنْ الْمَظْلُوم وَاجِب عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوز لَهُمْ الْأَخْذ عَلَيْهِ . قَالَ الْقَارِي : كَذَا ذَكَرَهُ اِبْن الْمَلَك . وَقَوْله وَكَذَا الْآخِذ بِظَاهِرِهِ يُنَافِيه حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَة " الْحَدِيث اِنْتَهَى . وَحَدِيث أَبِي أُمَامَةَ هَذَا تَقَدَّمَ فِي بَاب الْهَدِيَّة لِقَضَاءِ الْحَاجَة . وَقَالَ فِي مَجْمَع الْبِحَار : وَمَنْ يُعْطِي تَوَصُّلًا إِلَى أَخْذ حَقّ أَوْ دَفْع ظُلْم فَغَيْر دَاخِل فِيهِ . رُوِيَ أَنَّ اِبْن مَسْعُود ، أُخِذَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة فِي شَيْء فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ . وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ أَئِمَّة التَّابِعِينَ قَالُوا : لَا بَأْس أَنْ يُصَانِع عَنْ نَفْسه وَمَاله إِذَا خَافَ الظُّلْم اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل : وَالتَّخْصِيص لِطَالِبِ الْحَقّ بِجَوَازِ تَسْلِيم الرِّشْوَة مِنْهُ لِلْحَاكِمِ لَا أَدْرِي بِأَيِّ مُخَصِّص ، وَالْحَقّ التَّحْرِيم مُطْلَقًا أَخْذًا بِعُمُومِ الْحَدِيث ، وَمَنْ زَعَمَ الْجَوَاز فِي صُورَة مِنْ الصُّوَر فَإِنْ جَاءَ بِدَلِيلٍ مَقْبُولٍ وَإِلَّا كَانَ تَخْصِيصه رَدًّا عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَام فِيهِ .
قَالَ الْإِمَام اِبْن تَيْمِيَّة فِي الْمُنْتَقَى : حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَخْرَجَهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ اِنْتَهَى .
قَالَ اِبْن رَسْلَان فِي شَرْح السُّنَن : وَزَادَ التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي الْحُكْم أَيْ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ، وَأَمَّا حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْن حِبَّان وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَوَّاهُ الدَّارِمِيُّ اِنْتَهَى .@

الصفحة 438